التنظيم السياسي والمؤسسي لقبيلة أيت أوسا:
تُعد قبيلة أيت أوسا كيانًا شاملاً ومتكاملًا يعمل كمؤسسة عامة ومستقلة بذاتها، لا تقتصر وظيفتها على الجانب الاجتماعي فحسب، بل تشمل أيضًا أبعادًا سياسية واقتصادية حاسمة. لقد أدركت هذه القبيلة، كغيرها من التجمعات القبلية، الأهمية القصوى لسن قانون عام وشامل قادر على تنظيم تفاصيل الحياة الجماعية وضمان استقرارها.
لقد ارتكز هذا التنظيم القانوني على الأعراف والتقاليد القبلية الراسخة، التي مثلت الدستور غير المكتوب الذي يحدد حقوق وواجبات الأفراد والأعراش.
هيئة "أيت الاربعين": الهيئة التشريعية والتنفيذية
في سياق التنظيم القبلي بمنطقة الصحراء الشمالية الأطلسية، تجسد هذا الهيكل السياسي والإداري بشكل فعلي في هيئة عليا تُعرف باسم "أيت الاربعين"، أو "مجلس الربعين". لا يمثل هذا المجلس مجرد تجمع للأشخاص، بل هو القلب النابض للسلطة داخل القبيلة، حيث يضطلع بوظائف مزدوجة محورية:
1. الوظيفة التشريعية (سن القوانين):
- كان مجلس "أيت الاربعين" بمثابة البرلمان القبلي، حيث كانت مهمته الأساسية هي تشريع القوانين وإصدار الأحكام الجماعية الملزمة.
- يشمل هذا سن القواعد المتعلقة بتوزيع الموارد، وحماية الأراضي المشتركة، وتنظيم الرعي، وتحديد سُبل التعاون أو النزاع مع القبائل المجاورة.
- كانت قرارات المجلس تمثل الإرادة الجماعية للقبيلة، وتُعطى لها قوة القانون الذي لا يمكن نقضه.
2. الوظيفة التنفيذية والقضائية (التطبيق والبت):
- بالإضافة إلى التشريع، تولى المجلس مسؤولية تنفيذ هذه القوانين وضمان تطبيقها على أرض الواقع، مما يجعله بمثابة جهاز إداري وقضائي في الوقت نفسه.
- كان أعضاؤه يبتون في الخلافات والنزاعات الداخلية (سواء كانت بين الأفراد أو بين الأعراش)، ويصدرون العقوبات اللازمة لردع المخالفين، بهدف الحفاظ على السلم الاجتماعي والعدالة القبلية.
تكوين المجلس وآلية التمثيل العرشي:
يتميز مجلس "أيت الاربعين" بآلية تمثيل ديمقراطية (بالمفهوم القبلي)، حيث يتشكل من أعضاء يتم اختيارهم بعناية فائقة من قبل الجماعات الفرعية التي تشكل القبيلة الأم، وهي ما يُعرف بـ الأعراش أو الفصائل.
- التمثيل العرشي: يختار كل عرش من أعراش قبيلة أيت أوسا من يمثله داخل هذا المجلس الأعلى. هذا يضمن أن تكون كل وحدة اجتماعية واقتصادية داخل القبيلة ممثلة بصوت قوي.
- الدفاع عن المصالح: كان الهدف من هذا الاختيار هو الدفاع عن مصالح العرش المحدد، والتأكد من أن القوانين والقرارات الصادرة عن "أيت الاربعين" لا تضر بمصالح هذا العرش، بل تحافظ على توازنه مع باقي مكونات القبيلة.
- الحجم والرمزية: لم يكن العدد أربعين (40) رقمًا جامدًا دائمًا، بل كان في الغالب يمثل رمزًا للاكتمال والشمولية. في الممارسة العملية، لم يكن هذا العدد يتجاوز الأربعين شخصًا عادةً، لضمان فعالية المجلس وسرعة اتخاذ القرار، مع الحفاظ على صفة التمثيل الشامل لجميع الأعراش المكونة للقبيلة.