الآلات الموسيقية الشعبية في السودان: تنوع الألحان والإيقاعات
تزخر الموسيقى الشعبية السودانية بتشكيلة غنية من الآلات الموسيقية التي تعكس التنوع الثقافي والجغرافي للبلاد. وتتميز هذه الآلات بكونها جزءاً أصيلاً من التراث، حيث تُصنع غالباً من مواد طبيعية محلية وتؤدي دوراً محورياً في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية المختلفة.
1. الطمبور: ملك الأوتار الشمالي
يعتبر الطمبور من أبرز الآلات الموسيقية الوترية وأكثرها انتشاراً وشعبية في السودان، ويحظى بمكانة خاصة في شمال السودان على وجه الخصوص. وهو آلة وترية قديمة تُشبه العود أو البانجو في بعض خصائصها، لكنها تتميز ببساطتها وعمق صوتها.
- التكوين والخصائص: يتألف الطمبور عادةً من خمسة أوتار مشدودة تُصدر النغمات الشجية التي تشتهر بها الموسيقى السودانية الشمالية. ويرتكز على صندوق رنان (قُطاعة) مجوف ذو شكل بيضاوي أو دائري يُغطى بجلد الأغنام الرقيق بعد تجفيفه ومعالجته، وهو ما يمنحه صوته المميز.
- التنوع والأسماء: لا يوجد "طمبور" واحد، بل تختلف أحجامه وطرق دوزنته (ضبط أوتاره) من منطقة إلى أخرى، مما يؤدي إلى تباينات في الأسلوب الموسيقي. ولهذه الآلة مسميات مختلفة بحسب المنطقة، ومن أبرزها:
- الباسنكوب: الاسم المعروف به في شرق السودان.
- الربابة: الاسم الذي يُطلق عليه في غرب السودان.
- التوم: الاسم الشائع للآلة أو ما يشبهها في جنوب السودان.
2. الدلوكة: إيقاع النساء في الوسط
تُعد الدلوكة أهم وأشهر الآلات الإيقاعية في التراث السوداني، وتنتشر بشكل كثيف في وسط السودان. وهي آلة مرتبطة بشكل وثيق بالمناسبات النسائية كالأعراس والحفلات، وتعتبر أساساً للإيقاع في الغناء النسائي.
- التصنيع والبنية: تُصنع الدلوكة تقليدياً من الفخار، حيث يتم تشكيلها على هيئة إناء أسطواني أو مخروطي بقاعدة ضيقة وفتحة واسعة، ثم تُغطى الفتحة الواسعة بطبقة من جلد الأغنام الرقيق والمشدود بإحكام. يُكسبها الفخار والجلد جودة صوتية ممتازة وعمقاً في الرنين.
- طريقة العزف: يتم العزف على الدلوكة بمهارة عالية باستخدام كلتا اليدين (كف اليد اليسرى واليمنى). حيث تُستخدم اليد اليمنى للضرب على حافة الجلد أو وسطه لإصدار النغمات الحادة والقوية (التَكّ)، بينما تُستخدم اليد اليسرى للضرب على مركز الجلد لإصدار الأصوات الغليظة والعميقة (الدُمّ)، منتجة بذلك إيقاعات معقدة ومتنوعة.
3. الطار: إطار الإيقاع الشمالي
الطار هو آلة إيقاعية بسيطة لكنها أساسية في الموسيقى السودانية، وينتشر بشكل خاص في شمال السودان. يُعرف في مناطق أخرى باسم "الدف" أو "البندير" ويُستخدم عالمياً في العديد من الثقافات.
- الشكل والخصائص: يتميز الطار بشكله الدائري الذي يتكون من إطار خشبي رقيق، يُغطى هذا الإطار بـ جلد الأغنام المشدود بدقة ليصبح غشاءً رناناً. يمكن أن يحتوي بعض أنواعه على جلاجل صغيرة (صاجات) تُحدث رنيناً إضافياً عند العزف.
- آلية الأداء: يعزف الموسيقي على الطار بمسكه بـ إحدى يديه، غالباً من الإطار الخشبي، بينما تقوم اليد الأخرى بضرب الغشاء الجلدي على نقاط مختلفة من محيطه وسطحه. هذا التنوع في الضرب ينتج تباينات إيقاعية تتراوح بين النغمات الحادة والخافتة، مما يجعله عنصراً فعالاً في ضبط الإيقاع.