الهجرة وحركة السكان في افريقيا.. هجرة أعداد كبيرة من أبناء إفريقيا بحثا عن عمل وحياة أفضل في الدول الأوربية المستعمِرة في أثناء الاستعمار وبعد استقلال بلدانهم

كانت إفريقية منذ العصور الحجرية ومازالت قارة هجرات وحركات سكانية. من القارة أو إليها، طوعية أو قسرية (تهجير). إضافة إلى نوع آخر من الهجرات الداخلية بين أقاليم القارة. ولقد ارتبط أكثر الحركات السكانية بالأحداث التاريخية السياسية التي عاشتها القارة وبالأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية التي مر بها السكان منذ العصور القديمة حتى اليوم.
كان الكنعانيون (الفينيقيون) من أقدم القادمين إلى الشمال الإفريقي، أقاموا على سواحل البحر المتوسط مراكز تجارية كثيرة تحولت إلى مدن وحواضر استيطان، وأعقبهم اليونان فالرومان فالبيزنطيون فالعرب المسلمون. وكانت معظم الهجرات والفتوحات تجري في حوض البحر المتوسط، وأطراف القارة الشمالية. واتسعت في العهود المتأخرة (القرن السابع والثامن للميلاد) لتشمل السواحل الشرقية وأجزاء من السواحل الغربية لإفريقية حيث وصل العرب المسلمون. وكان توغل الوافدين في داخلها محدوداً باستثناء وادي النيل ومناطق قليلة أخرى، لكن تأثيرهم الحضاري والاجتماعي بل والإثني كان مميزاً في مناطق وجودهم ولاسيما العرب المسلمون، إذ أصبح الشمال الإفريقي بأكمله تقريباً مسلماً عربياً منذ القرون الوسطى على تعاقب الدول والأسر الحاكمة المسلمة من عرب ومستعربين وغير عرب (أمازيغ وأتراك وشركس) على حكم الشمال الإفريقي أو أجزاء منه.
إن الهجرات المذكورة وإن كانت ذات أهمية تاريخية في الدراسات الجغرافية، فإن سلبياتها كانت محدودة بالموازنة مع الهجرات الأحدث التي رافقت الاستعمار الأوربي للقارة منذ الغزو البرتغالي في مطلع القرن السادس عشر وانتشاره على كامل القارة تقريباً في النصف الأول من القرن العشرين. فإلى جانب نهب ثروات القارة ومواردها الطبيعية قام المستعمرون الأوربيون باستغلال الطاقات البشرية للقارة خارج حدودها، فنقلوا ملايين السكان السود قسراً إلى مستعمراتهم في الأمريكتين ومنطقة الكاريبي، بصفة رقيق يباع ويشرى في قرون استشراء تجارة العبيد من القرن السادس عشر حتى التاسع عشر. ويقدر عدد المهجرين من عبيد إفريقية بنحو 15ـ 20 مليون نسمة (هناك مصادر ترفع الرقم إلى 50ـ 80 مليون نسمة) ممن هم في ذروة سن العمل والإنتاج، الأمر الذي انعكس سلبياً على تطور القارة ونموها أو فسح في المجال للمستعمرين البيض للسيطرة على بلدانها، وإقامة كيان استيطاني لهم في دولة جنوب إفريقية.
ومع استقرار الاستعمار الأبيض توافدت على القارة مجموعات بشرية تنتمي إلى الدول المستعمِرة وأقامت في أماكن خاصة بها من دون اختلاط مع السكان الأصليين، ولاسيما في المدن وفي المزارع الخاصة أو في مواقع المناجم ومصادر الثروة، ومنها الهولنديون والبرتغاليون والإنكليز والفرنسيون والإيطاليون وقلة من الألمان، كما هاجرت إليها أعداد من اليونان والهنود والباكستانيين والعرب وغيرهم من الأقوام الآسيوية ـ وكان أكثر البقاع جذباً للمهاجرين إلى إفريقية الأشرطة الساحلية والبقاع ذات المناخ الملائم للسكنى والغنية بمصادر الإثراء السريع. لكن معظم هؤلاء ولاسيما الأوربيون منهم غادروا البلدان الإفريقية إثر تحررها من الاستعمار منذ منتصف القرن العشرين، وبالمقابل هاجرت أعداد كبيرة من أبناء إفريقيا معظمهم من دول المغرب العربي بحثاً عن عمل وحياة أفضل في الدول الأوربية المستعمِرة، في أثناء الاستعمار وبعد استقلال بلدانهم، ولاسيما إلى فرنسة وإسبانية وإيطالية. وإلى إنكلترة من دول الكومونولث البريطاني وغيرها ويقدر عددهم بالملايين. وفي القارة نفسها هجرات داخلية بين دولها وبقاعها، وفي مناطق الدولة نفسها. والغالب عليها هجرة الريفيين إلى المدن، ومن بلد فقير إلى بلد غني تتوافر فيه فرص عمل وأجور عالية نسبياً. ومن الهجرات الداخلية القديمة انتشار قبائل البانتو في معظم أرجاء إفريقية جنوب خط الاستواء، أما في القرن العشرين فتعد هجرة الحَوصّة من نيجيرية الشمالية إلى جمهورية السودان بأعداد كبيرة واحدة من الهجرات الداخلية البارزة، مثلها عودة قبائل الإيبو من شمالي نيجيرية إلى مواطنهم في شرقيها سنة 1966. وكذلك إخراج غانة نحو 500.000 أجنبي كانوا يعملون في أراضيها عام 1969. وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين هرباً من الحروب الأهلية أو التوسعية ذات الصفة الداخلية في السودان والصومال وأنغولة وإريترية والحبشة ورواندة وبوروندي وغيرها. ومع ذلك تبقى الهجرات ذات الأسباب الاقتصادية كهجرة الريفيين إلى المدن، وهجرة الهاربين من المجاعة ومناطق الجفاف والباحثين عن عمل في دول النفط، أبرز أنواع الهجرة الداخلية في إفريقية المعاصرة المستقلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال