علماء ومشاهير زاوية سيدي بوطيب: منارة للعلم والتدريس
اشتهرت زاوية سيدي بوطيب كصرح تعليمي وديني عريق، استقطب نخبة من العلماء والمدرسين الأفاضل الذين أثروا الحياة العلمية في المنطقة، وأسسوا لتقليد متين من التدريس في مختلف الكراسي العلمية. وقد امتد تأثير هذه الزاوية ليشمل تخريج أفواج من الفقهاء والعلماء الذين ساهموا في نشر العلم والمعرفة.
أولاً: أبرز العلماء والمدرسين في الزاوية
تميزت الزاوية بوجود مجموعة من الأسماء اللامعة التي اضطلعت بمهام التدريس والإمامة والخطابة، وكانت لهم بصمات واضحة في مسيرة الزاوية العلمية:
1. مؤسس الزاوية: سيدي بوطيب
وهو الاسم الذي ارتبطت به الزاوية وشهرتها، ويُعتبر سيدي بوطيب المؤسس الروحي والإداري لهذا الصرح العلمي. وقد كان له الفضل الأول في وضع اللبنات الأساسية للزاوية كنقطة إشعاع ديني وتربوي، حيث تركزت حوله الحلقات الأولى للتدريس والإرشاد قبل أن تتطور لتصبح مركزًا علميًا متكاملاً.
2. عميد التدريس: سيدي أحمد بن بوطيب
يُعد سيدي أحمد بن بوطيب من أهم وأبرز العلماء الذين اشتهروا بالتدريس في الزاوية. لقد كان اهتمامه منصباً بشكل خاص على الكراسي العلمية، حيث أشرف على تدريس مجموعة واسعة من العلوم الشرعية واللغوية، مما جعله مرجعاً أساسياً في الفقه والتفسير والحديث. وقد انعكس هذا الاهتمام على جودة التعليم المقدم، وأسس لسمعة الزاوية في التخريج المتخصص للفقهاء.
3. أول خطيب للجمعة: سيدي سالم
لعب سيدي سالم دوراً تاريخياً مهماً في الزاوية، حيث كان أول من تولى مهمة خطابة الجمعة فيها. وتوثق المصادر بداية هذه المهمة تحديداً في سنة 1304 هـ. هذه الخطوة مثلت نقلة نوعية في دور الزاوية، حيث لم تعد مجرد مركز للتدريس والإرشاد، بل تحولت إلى جامع رسمي تقام فيه صلاة الجمعة، مما عزز مكانتها كمركز ديني رئيسي في المنطقة.
4. عالم التنقل والآفاق: سيدي رافع
يمثل سيدي رافع مثالاً للعلماء الذين جمعوا بين التدريس في الزاوية والانفتاح على أكبر الصروح العلمية في المغرب. فبالإضافة إلى جهوده التدريسية في زاوية سيدي بوطيب، اشتهر بكونه مارس التدريس في جامعات عريقة، أبرزها جامعة القرويين بفاس، التي تعد من أقدم المؤسسات التعليمية في العالم، وكذلك في جامع ابن يوسف بمدينة مراكش. هذا التنقل العلمي أكسبه خبرة واسعة وأثرى المنهج التعليمي الذي كان يقدمه في الزاوية.
ثانياً: أشهر المتخرجين وتأثيرهم
كانت الزاوية، وخاصة تحت إشراف سيدي أحمد بن بوطيب، مصنعاً لتخريج الفقهاء الذين حملوا لواء العلم إلى مناطق أخرى. وقد تخرج على يديه ثلة من التلاميذ النجباء الذين برزوا في مسيرتهم العلمية:
- سيدي يوسف بن العربي: يُعد من أبرز المتخرجين الذين نالوا قسطاً وافراً من العلم في الزاوية، ليصبح فيما بعد من الفقهاء المعروفين، ويُسهم بدوره في نشر المعرفة.
- الفقيه السي الأمين: هو أحد التلاميذ المميزين الذين درسوا على يد سيدي أحمد بن بوطيب، واشتهر بتبحره في الفقه واستقامته، مما جعله مرجعاً في الشؤون الدينية.
- السي امحمد بن عبد الله: مثل غيره من زملائه، نهل السي امحمد من معين علم الزاوية، ليصبح فقيهاً وعالماً أسهم في إثراء الحياة الفكرية والدينية في محيطه.
- السي عبد القادر بن بومهدي: كان من الأفواج التي تخرجت من تحت يدي سيدي أحمد بن بوطيب، وحمل معه مشعل التدريس والإرشاد لخدمة المجتمع، مؤكداً استمرارية العطاء العلمي للزاوية.
إن هذه الكوكبة من المدرسين والمتخرجين تؤكد على الدور المحوري لزاوية سيدي بوطيب كمركز تعليمي هام، لم يقتصر تأثيره على فضاء الزاوية فحسب، بل امتد ليغطي مدناً ومناطق أخرى من خلال علم وخبرة أساتذتها وفقهاءها.