تصنيف الأنهار تبعاً لأنماط التصريف: الجيومورفولوجيا المتحكمة
يُعد نمط التصريف (Drainage Pattern) سمة جيومورفولوجية حيوية تعكس تاريخ المنطقة الجيولوجي والتضاريسي والمناخي. وهو الشكل الهندسي الذي تتخذه شبكة مجاري الأنهار والوديان عند رسمها على الخريطة. هذا الوضع ليس عشوائياً، بل هو نتاج تفاعل معقد بين ثلاثة عوامل رئيسية: نوعية المناخ السائد (خاصة كمية التساقط)، طبيعة التضاريس (الارتفاع والانحدار)، وأهمها نوعية الصخور وبنيتها الجيولوجية.
بناءً على هذا التفاعل، يمكن تقسيم الأنماط النهرية الرئيسية إلى الفئات التالية:
1. نمط التصريف النهري الشجري (Dendritic Drainage Pattern)
يُعتبر هذا النمط هو الأكثر شيوعاً وبساطة، ويشبه في مظهره تفرعات أغصان الشجرة أو عروق الأوراق.
- التحكم الجيولوجي والتضاريسي: يرتبط هذا النمط بالمناطق التي تتميز بـ:
- تجانس الصخور: حيث تكون الصخور متماثلة في المقاومة والصلابة عبر مساحة واسعة، مما لا يوجه الأنهار باتجاه معين مفضل.
- التركيب الأفقي أو الميل البسيط: تمتد الطبقات الصخرية بشكل أفقي تقريباً أو تميل بزاوية بسيطة جداً.
- التضاريس الواطئة: يتطور هذا النمط عادة فوق السهول المنبسطة أو أسطح الهضاب ذات الانحدار المنتظم والقليل.
- عوامل الكثافة: تختلف كثافة التفرع (عدد المجاري في وحدة المساحة) تبعاً للعوامل التالية:
- صلابة الصخور ومساميتها: تزداد كثافة التفرع كلما كانت الصخور أقل صلابة (كما في الصخور الرسوبية سهلة النحت)، بينما تقل الكثافة في مناطق الصخور النارية الصلبة والمقاومة.
- المناخ: تزيد درجة التفرع مع زيادة كمية التساقط (الأمطار)، وتنخفض الكثافة في المناطق القاحلة قليلة الأمطار.
2. نمط التصريف المستطيل أو المتعامد (Rectangular Drainage Pattern)
يتشكل هذا النمط في المناطق التي تكون فيها الحركة المائية مقيدة بفعل الهيكل الصخري، حيث تلتقي الأنهار مع بعضها بزاوية قريبة من الزاوية القائمة (90 درجة).
- التحكم الجيولوجي: يتحكم في هذا النمط وجود المفاصل والكسور (Fissures and Joints) في التكوين الصخري للمنطقة.
- آلية التطور: تُعد المفاصل مناطق ضعف طبيعي في الصخور، حيث تكون أكثر عرضة للتآكل والحفر. تحاول المجاري النهرية استغلال هذه الخطوط الضعيفة لتثبيت امتداداتها فوقها. وعندما تكون هذه المفاصل مرتبة في المنطقة بنظام متعامد، فإنها تجبر الوديان والروافد على الاتباع، مما ينعكس على شكل التصريف ليظهر مستطيلاً أو شبكياً.
3. نمط التصريف المتوازي (Trellis Drainage Pattern)
يُطلق على هذا النمط أيضاً اسم التصريف التكعيبي في بعض الأحيان، وهو نمط معقد يعكس تطوراً جيولوجياً واضحاً.
- التحكم الجيولوجي والبنية: يتطور هذا النمط بشكل نموذجي فوق المناطق التي تعرضت لبنيات التوائية (Folds)، خاصة تلك التي وصلت إلى مرحلة النضج من الدورة الجيومورفولوجية (حيث تكون التضاريس قد تعرضت للنحت لفترة طويلة).
- آلية التطور:
- تثبت الوديان النهرية الرئيسية نفسها فوق المناطق الصخرية الأقل مقاومة أو اللينة التي تفصل بين الطيات الصلبة.
- تتصل بهذه الوديان الرئيسية روافد عديدة بشكل متعامد تقريباً. بعض هذه الروافد يكون موافقاً لاتجاه الميل الأصلي للصخور (في اتجاه انحدار الطية)، والبعض الآخر يكون معاكساً لاتجاه الميل (يتجه نحو الجزء الأكثر ارتفاعاً من الطية). هذا التناغم بين الوديان الرئيسية الموازية للطيات والروافد المتعامدة عليها هو ما يميز هذا النمط.
4. نمط التصريف النهري المدور أو الحلقي (Annular/Ring Drainage Pattern)
يرتبط هذا النمط بشكل مباشر بالهياكل الجيولوجية الدائرية الشكل.
- التحكم الجيولوجي والبنية: يتواجد هذا النمط فوق الجهات التي تكون بنياتها قبابية (Domes) أو حوضية كبيرة، وتكون في مرحلة النضج من الدورة الجيومورفولوجية.
- آلية التطور:
- تتميز هذه البنيات بتعاقب الطبقات الصخرية ذات الصلابة المختلفة، حيث تحيط جميعها بمركز يتكون غالباً من صخور نارية متبلورة صلبة.
- تثبت الأنهار الرئيسية وديانها فوق مناطق الصخور اللينة ذات الامتداد الدائري (الحلقي)، التي تتعرض للتآكل بشكل أسرع.
- تلتقي بهذه الأنهار الرئيسية روافد قصيرة تنبع من الحافات المرتفعة التي تمثل الطبقات الصخرية الأكثر صلابة والمقاومة للنحت.
5. نمط التصريف النهري الإشعاعي (Radial Drainage Pattern)
يُعد هذا النمط بسيطاً ومميزاً حيث يبدو وكأن الأنهار تتباعد وتشع عن نقطة مركزية واحدة.
- التحكم التضاريسي: يتمثل هذا النمط فوق تضاريس مرتفعة الشكل وذات ميل حاد ومنتظم. يظهر بوضوح فوق:
- المخاريط البركانية (حيث تتجه المياه من القمة إلى الأسفل في كل الاتجاهات).
- القباب الحديثة التي تكون في مرحلة الشباب (لم تتعرض لنحت كبير بعد).
- الدلتاوات والمراوح الفيضية (في هذه الحالة، تشع الأنهار من نقطة ذروة المروحة نحو الخارج).
- السمة الأساسية: تتباعد خطوط التصريف عن بعضها البعض كلما ابتعدت عن نقطة المركز المرتفعة.
6. الأنماط الإضافية ذات الصبغة المحلية:
بالإضافة إلى الأنماط الرئيسية، توجد أنماط أخرى أقل انتشاراً أو ذات صبغة محلية، ومنها:
- التصريف المركزي (Centripetal Drainage Pattern): يتميز هذا النمط بالاتجاه المعاكس للإشعاعي، حيث تلتقي خطوط التصريف مع بعضها في منخفض مركزي أو نقطة واحدة منخفضة. يوجد هذا النمط في مناطق:
- الحفر البالوعية (Doline).
- الفوهات البركانية المغمورة.
- الأشكال الحوضية الأخرى.
التصريف المتوازي (Parallel Drainage Pattern): يتميز هذا النمط بامتداد المجاري النهرية على شكل مسافات منتظمة أو بشكل متوازٍ تقريباً، ويعكس عادة انحداراً منتظماً وقوياً نسبياً في منطقة ذات صخور متجانسة أو في مناطق:
- مناطق الركام الجليدي الحديث (المورين): في المناطق التي كانت مغطاة بالجليد، تترك الأنهار الجليدية طبقة من الرواسب الجليدية (المورين) أو الركام الصخري الطري. هذه الرواسب تكون عادة متجانسة وذات ميل بسيط وموحد (ناجم عن حركة الجليد)، مما يؤدي إلى تشكل مجاري متوازية.
- المناطق ذات الصدوع والأخاديد الموازية: في حالة وجود صدوع متوازية في الصخور الصلبة، قد تستغل الأنهار خطوط الضعف هذه وتطور مجاريها بشكل متوازٍ.
- السهول الساحلية الحديثة: يمكن أن يتطور في السهول الساحلية الضيقة التي تنحدر بشكل موحد نحو البحر، ويكون النحت فيها بسيطاً لعدم وجود اختلافات كبيرة في ارتفاع سطح الأرض.
7. نمط التصريف المتوازي (Parallel Drainage Pattern):
على الرغم من ذكره سابقاً كنمط فرعي، إلا أنه نمط مميز يتطلب تفصيلاً إضافياً.
- التحكم الجيولوجي والتضاريسي: يتطور هذا النمط في مناطق ذات انحدار (ميل) شديد وموحد أو حيث تكون التضاريس قد تكونت حديثاً من مواد رسوبية أو جليدية متجانسة قليلة المقاومة.
- السمات: تتميز المجاري النهرية بأنها تمتد بشكل متوازٍ أو شبه متوازٍ على مسافات منتظمة، وتكون الروافد صغيرة وقصيرة. لا توجد عوامل بنيوية (مثل المفاصل أو الطيات) توجه النهر لتغيير مساره.
- أماكن الانتشار: ينتشر هذا النمط عادة في:
- المناطق ذات الركام الجليدي (مثل مناطق المورين)، حيث يكون الميل السطحي ثابتاً.
- المناطق الساحلية ذات التلال الرملية الطولية.
8. نمط التصريف الشبكي (Pinnate Drainage Pattern):
هذا النمط هو شكل من أشكال النمط الشجري، ولكنه أكثر توازياً ودقة.
- السمات: تشبه المجاري النهرية فيه ريشة الطائر، حيث تنضم الروافد الجانبية القصيرة بشكل موازٍ تقريباً لبعضها البعض، ثم تلتقي بنهر رئيسي واحد بزوايا حادة.
- التحكم الجيولوجي: يتطور فوق المناطق ذات الصخور الرسوبية الناعمة جداً والتي تحتوي على انحدار شديد ومركّز. وغالباً ما يوجد هذا النمط في وديان الأنهار العريضة ذات التربة الغرينية.
9. نمط التصريف المتشابك أو المجدول (Braided Drainage Pattern):
يختلف هذا النمط عن الأنماط المذكورة سابقاً لأنه لا يعكس بالضرورة بنية جيولوجية، بل يعكس ديناميكية تدفق النهر وحمولته.
- آلية التكون: يتشكل هذا النمط في الأنهار التي تحمل كمية كبيرة جداً من الرواسب (الحمولة)، وتكون ذات انحدار منخفض وتذبذب عالٍ في معدل التدفق (مواسم فيضان وجفاف).
- السمات: تنقسم قناة النهر الرئيسية إلى عدة قنوات صغيرة متعرجة ومتداخلة تفصل بينها جزر رملية أو حصبائية غير مستقرة (Bars). وتتغير هذه القنوات وتتبدل باستمرار مع تغير سرعة التدفق.
10. نمط التصريف الغريب أو المتخطي (Superimposed/Discordant Drainage Pattern):
هذا النمط هو مثال للتصريف الذي لم يعد يتوافق مع البنية الجيولوجية الحالية، ويُعرف بأنه "متخطي" أو "فوقي".
- آلية التكون: يتشكل هذا النمط عندما يكون النهر قد بدأ نحته فوق طبقات صخرية علوية حديثة ومتجانسة (وبالتالي اتبع في البداية نمطاً شجرياً مثلاً). ومع استمرار النحت، وصل النهر إلى طبقات صخرية سفلية قديمة ذات بنية معقدة (كطيات أو صدوع).
- السمات: يواصل النهر نحته في الصخور السفلية المعقدة كما لو كان لا يزال يتبع البنية العلوية البسيطة. هذا يعني أن النهر يقطع الهياكل الجيولوجية الصعبة بدلاً من أن يلتف حولها أو يتبع مناطق الضعف فيها، مما يدل على أن النمط الحالي "فُرض" (Superimposed) على البنية السفلية.
11. نمط التصريف الملتوي أو المعاند (Antecedent Drainage Pattern):
يشبه هذا النمط النمط المتخطي من حيث عدم توافقه مع البنية، لكنه ينشأ بآلية مختلفة.
- آلية التكون: يتكون عندما تبدأ الحركة التكتونية (مثل ارتفاع سلسلة جبلية) في الحدوث ببطء شديد بينما النهر ينحت مجراه بالفعل.
- السمات: يتمكن النهر من مواكبة الارتفاع البطيء للجبل عن طريق النحت المستمر لعمق الوادي بنفس معدل الارتفاع. ونتيجة لذلك، يستمر النهر في مساره القديم ويقطع سلسلة الجبال الصاعدة، مشكلاً أخاديد عميقة أو مضائق عبر التضاريس المرتفعة. يُعتبر النهر في هذه الحالة معانداً للحركة التكتونية.
تشكل هذه الأنماط معاً صورة متكاملة عن كيفية تفاعل المياه السطحية مع كل من الجيولوجيا (البنية والتركيب الصخري) والتضاريس (الانحدار والارتفاع) والزمن الجيولوجي.