نيومكسيكو: رحلة عبر خمسة قرون من الاستكشاف والاستيطان
يُعد تاريخ ولاية نيومكسيكو (New Mexico) سجلاً فريدًا للتفاعل بين الثقافات الأصلية والقوى الأوروبية الطامحة، حيث يمتد من البحث عن أساطير الذهب إلى الاندماج في الولايات المتحدة الحديثة.
1. عصر الاستكشاف الإسباني والبحث عن الثروة (1540-1542):
كان الدافع وراء الاكتشاف الأولي لنيومكسيكو هو الشغف الإسباني بالثروة والأراضي الجديدة.
- الأساطير الذهبية والدافع: تداول الإسبان قصصًا عن المدن السبع الذهبية في سيبولا (Seven Cities of Cíbola)، مما حفز حملات استكشافية جريئة نحو الشمال.
- فرانسيسكو فاسكيز دي كورونادو: يعتبر هذا المكتشف الأسباني القائد الأبرز لهذه المرحلة. في الفترة من 1540 إلى 1542، قاد كورونادو حملة كبيرة ومكلفة توغلت بعمق في أراضي الجنوب الغربي الأمريكي. على الرغم من أن الحملة لم تعثر على أي ذهب أو مدن أسطورية (مما أصاب المستثمرين الإسبان بخيبة أمل كبيرة)، إلا أنها قدمت أول وصف موثق ومفصل للطبيعة الجغرافية الشاسعة للمنطقة وللشعوب التي تقطنها، وتحديداً هنود البيوبلو (Pueblo). هذه التقارير المبدئية هي التي زرعت بذرة الاهتمام الإسباني الدائم بالمنطقة.
2. التأسيس والاستيطان الإسباني الدائم (ابتداءً من 1598):
بعد ما يقرب من ستة عقود من حملة كورونادو غير المثمرة، قررت إسبانيا العودة لترسيخ سيطرتها، ولكن هذه المرة بهدف الاستيطان والتحويل الديني.
- خوان دي أوناتي وتأسيس المستعمرة: في عام 1598، قاد خوان دي أوناتي بعثة استعمارية أسست أول مستوطنة إسبانية دائمة في المنطقة، تحديداً على جانب نهر ريو جراند (Rio Grande). لم يكن الهدف البحث عن الذهب، بل إقامة قاعدة حدودية للمملكة الإسبانية الجديدة وتوسيع مهمة التبشير الكاثوليكي بين السكان الأصليين.
- نيومكسيكو كمقاطعة إسبانية: أصبحت المنطقة تُعرف بـ"نيوفا مكسيكو" (Nuevo México) وتم اعتبارها مقاطعة حدودية لـإسبانيا الجديدة (New Spain)، واستمر الحكم الإسباني المباشر لعقود طويلة، متخللاً بثورات محلية شهيرة مثل ثورة البيوبلو عام 1680.
3. الحرب المكسيكية الأمريكية وتغيير الولاء (1848):
شهد القرن التاسع عشر تحولاً جذرياً في تبعية نيومكسيكو، خاصة بعد استقلال المكسيك عن إسبانيا عام 1821.
- صعود الولايات المتحدة: بعد استقلالها، ورثت المكسيك مقاطعة نيومكسيكو. لكن التوسع الأمريكي غربًا (المعروف بـ "القدر المتجلي") أدى إلى صراع حتمي.
- نتائج حرب 1846-1848: في أعقاب الحرب المكسيكية الأمريكية، اضطرت المكسيك للتنازل عن مساحات شاسعة من أراضيها بموجب معاهدة غوادالوبي هيدالغو عام 1848. كانت هذه النتيجة هي السبب في حصول الولايات المتحدة الأمريكية على معظم أراضي ولاية نيومكسيكو التي نعرفها اليوم. وبذلك، تحولت نيومكسيكو من مقاطعة مكسيكية إلى إقليم أمريكي (New Mexico Territory)، وبدأت تخضع بشكل متزايد للتنظيم والقوانين الفيدرالية الأمريكية.
4. نهاية المقاومة القبلية وترسيخ السلام (1886):
كانت فترة الاستيطان الأوروبي والأمريكي تتميز بالصراع العنيف والمستمر مع القبائل الأصلية التي كانت تدافع عن أراضيها وحريتها.
- حروب الأباتشي والهند الحمر: كانت قبائل مثل الأباتشي (Apache) والنافاجو (Navajo) من أشد المقاتلين دفاعًا عن أسلوب حياتهم. تطلبت مقاومة هذه القبائل جهودًا عسكرية هائلة من الجيش الأمريكي لسنوات طويلة.
- نهاية المقاومة المسلحة: وصلت هذه الحروب إلى نهايتها الحاسمة في عام 1886، وهو العام الذي شهد استسلام الزعيم الأباتشي الأسطوري جيرونيمو (Geronimo). يمثل هذا الحدث النهاية الفعلية لـجميع الحروب الرئيسية والمقاومة المسلحة المنظمة للقبائل الأصلية في نيومكسيكو، مما سمح بـاستقرار الإقليم ومهد الطريق لدمج السكان الأصليين القسري في المجتمع الأمريكي المتنامي، وفتح المنطقة بشكل كامل للاستيطان من الشرق.