عناصر المسرح والدراما في حلقات الذكر عند الطريقة القادرية.. اجتماع المريدين من مادحين وعازفين وذكارة ومتفرجين في ساحة ضريح الشيخ حمد النيل بأمدرمان

لكل طريقة من الطرق الصوفية الإسلامية في السودان الخاص في ممارسة الذكر في وجود عناصر مشتركة بينها كالرقص والأداء الصوتي الغنائي. عليه فإننا هنا نمثل لها بحلقات الذكر عند الطريقة القادرية بالساحة أمام ضريح الشيخ حمد النيل بأمدرمان عصر كل جمعة ونحن نعتمد علي مشاهداتنا شبه المنتظمة لهذه الممارسة.
تتلخص الممارسة في اجتماع المريدين من مادحين وعازفين وذكارة ومتفرجين، عصراً في الساحة التي يتوسطها علم الطريقة المثبت علي السارية. تبدأ حلقة الذكر بنشيد افتتاحي يلقيه المادحون وهم يتحركون داخل الحلقة ثم تبدأ حرارة الإيقاع في الارتفاع فتدخل الطبول والصاجات ويدخل معها الذكارة في أزياء خاصة وينتظمون في رقص تعبيري عنيف يصل قمته عندما يدور أحدهم حول نفسه في سرعة عجيبة ، أو عندما يتفوه آخر بكلام لا رابط بين جملة وكلماته ويستمر الإيقاع في الارتفاع حتى يؤذن لصلاة المغرب حيث يتوقف الذكر وتنتهي الممارسة فينصرف عن الساحة المؤدون والمتفرجون.
أن المراقب لهذه الممارسة من وجهة النظر المسرحية، يلاحظ وجود بعض العناصر الأساسية لفن المسرح والدراما التي قد تتفق مع النظرية الأرسطية وغيرها من النظريات الغربية ويمكن تلخيص أهم تلك العناصر في:
1- المشاركون في هذه الممارسة لا يحترفون ممارسة الذكر ولكنهم أهل أشغال ومهن مختلفة يقتطعون سويعات من يوم عطلتهم (الجمعة) يتخلصون فيها من شخصياتهم العادية ويدخلون في إهاب شخصيات جديدة يتقمصونها خلال فترة الذكر (العرض) وهذا يقترب بهم من طبيعة عمل الممثل.
2- يلاحظ في هذه الممارسة اكتمال عناصر العرض التي يجب توفرها في أي فن يسمي مسرحاً ، فبالإضافة للممثل (الذاكر) يوجد مكان العرض وهو ساحة الذكر بمعماريتها المعروفة من قبة أو ضريح وسارية في الوسط كما يوجد المتفرج.
3- إن كانت الموسيقي هي إحدى عناصر العرض المسرحي المهمة فإنها هنا موسيقي حية يعزفها الذاكرون بأنفسهم ، والآلات الموسيقية في هذا الطقس هي جزء من المرئيات بجانب أنها مصدر للمسموعات ، والموسيقي في هذه الممارسة لا تستخدم كعامل مساعد لخلق الجو العام للعرض أو كعنصر تفسيري أو إيقاعي يواكب الرقص فحسب ، لكنها عنصر أساسيي في بنائية العرض نفسه، وبدونها لا يكون للعرض وجود . وهذا يذكرنا بدور الموسيقي في المسرح الغنائي والاستعراضي والأوبرا والباليه.
4- تحتوي الممارسة ـ أيضاً ـ علي أزياء مخصوصة قد تختلف عند بعض الذاكرين عن أزيائهم العادية وهي عبارة عن جبب مرقعة ذات ألوان وعلامات تحدد شخصية الذاكر ودرجته . كما تحتوي علي إكسسوارات معينة لها دورها في العرض كالعصي والمسابح والكرابيج والمباخر .
5- أما عن الدراما في حلقات الذكر فإنه يمكن تلخيص فكرتها الرئيسية في صراع الروح ـ في توجهها لخالقها ـ مع الجسد الفاني ومحدوديته التي تحاول تكبيل انطلاق تلك الروح . وتمثل لحظات الوجد الصوفي وانفصال الذاكر عن ما حوله قمة انتصار الروح علي الجسد وهو الهدف الأعلى للطقس مما يجعل له نتائج تنفسية ، فكل المشاركين بمختلف درجات مشاركتهم ـ بما فيهم المتفرجون ـ يمارسون محاولات فك أسر أرواحهم وتخليصها من ضغوط الماديات.
6- يلاحظ أن لهذا الطقس قائد هو شيخ الطريقة أو من يمثله وهو الذي يقود الذكر ويتحكم في سير أحداثه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال