المراجعة الإدارية الشاملة: أركانها، مهامها، ونطاقها لضمان كفاءة المنشآت
تُعد المراجعة الإدارية (Management Audit) وظيفة حيوية ومحورية في الهيكل التنظيمي لأي منشأة تسعى للتميز والتحسين المستمر، فهي لا تقتصر على فحص السجلات المالية وحسب، بل تتجاوز ذلك لتقييم كفاءة وفعالية الأداء التنظيمي ككل. تنقسم مهام ووظائف المراجعة الإدارية إلى عدة جوانب متكاملة، تشمل التخطيط، والإجراءات، ونطاق العمل، وصولاً إلى صياغة التوصيات الإصلاحية.
أولاً: تقييم الإطار الاستراتيجي والتشغيلي
تتمثل المهمة الأولى والأكثر أهمية للمراجعة الإدارية في التحقق من سلامة البنية الفكرية والتنظيمية التي تقوم عليها المنشأة، ويتم ذلك من خلال:
- دراسة وتحليل وتقييم الأهداف والخطط: يتم فحص الأهداف الموضوعة للتأكد من أنها "ذكية" (محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، ذات صلة، ومقيدة بزمن). كما تُراجع الخطط الاستراتيجية والتشغيلية للتأكد من قدرتها على توجيه المنشأة بفعالية نحو تحقيق رؤيتها البعيدة المدى.
- تقييم السياسات وهياكل النظم: يُجرى تقييم للسياسات المتبعة للتأكد من أنها واضحة، متسقة، وتدعم الأهداف الاستراتيجية، بدلاً من أن تكون عائقاً لها. كما يتم تحليل هياكل النظم (مثل نظام اتخاذ القرار، نظام التواصل، والنظم المعلوماتية) للتأكد من سلامتها وقدرتها على دعم العمليات بفعالية وكفاءة.
- ضمان المواءمة الاستراتيجية: تتأكد المراجعة من أن جميع هذه العناصر (الأهداف، الخطط، السياسات، النظم) تتكامل معاً وتعمل كمنظومة واحدة لضمان تحقيق الغايات الاستراتيجية الكبرى للمنشأة.
ثانياً: تحليل وتقويم الأداء التنفيذي والإجرائي
بعد التأكد من سلامة الإطار الاستراتيجي، ينتقل دور المراجعة إلى تقييم كيفية تطبيق العمليات على أرض الواقع:
- تحليل وتقويم الإجراءات والأساليب: تشمل هذه المهمة الغوص في التفاصيل التشغيلية اليومية. يُفحص كل إجراء وكل أسلوب عمل مُطبق في مختلف الإدارات (كإجراءات الموارد البشرية، أو أساليب الإنتاج، أو خطوات خدمة العملاء).
- الاطمئنان على التنفيذ السليم: الهدف هو التأكد من أن هذه الإجراءات المتبعة سليمة من الناحية الفنية، وأنها تُنفذ فعلاً وفقاً للمعايير والسياسات الموضوعة (المرغوب فيه). هذا يضمن عدم وجود فجوة بين ما هو مُخطط له وما هو مُطبق فعلياً، ويقلل من الهدر أو الأخطاء.
ثالثاً: تقديم التقارير والتوصيات التطويرية
تُوجَد عملية المراجعة الإدارية بإصدار مخرجات عملية تُستخدم كأساس للتحسين، وتشمل هذه المخرجات:
- تقديم تقارير شاملة: يجب أن تتضمن هذه التقارير معلومات موضوعية ومدعومة بالأدلة حول الأداء.
- تحديد نواحي القصور والسلبيات: تُشير التقارير بوضوح إلى نقاط الضعف، أو الاختناقات في العمل، أو المجالات التي لا يتم فيها استغلال الموارد بالشكل الأمثل.
- صياغة الإشارات والتوصيات: لا يكتفي المراجع بالإشارة إلى المشكلة، بل يقدم توصيات واضحة ومحددة وقابلة للتطبيق للمعالجة الفورية لنواحي القصور، واقتراحات للتطوير المستقبلي نحو الأفضل، مما يجعل وظيفة المراجعة قوة دافعة للتطور.
رابعاً: النطاق الشمولي للمراجعة
ما يميز المراجعة الإدارية عن غيرها من أنواع المراجعات هو شموليتها المطلقة:
- الامتداد لكل الأنشطة: يمتد نطاق المراجعة الإدارية ليشمل جميع الأنشطة التي تقوم بها المنشأة، من أعلى مستوى إداري (كمجلس الإدارة) إلى أدنى مستوى تشغيلي (كخطوط الإنتاج أو فرق الدعم).
- الشمولية هي القاعدة: هذا يعني أن أي نشاط أو قسم أو وظيفة داخل المنشأة، مهما كانت طبيعته (سواء كان إنتاجاً، أو تسويقاً، أو تمويلاً، أو موارد بشرية، أو حتى الأمن والسلامة)، لا بد وأن يخضع للمراجعة الإدارية لتقييم كفاءته وفعاليته.
