حصر المهن الحرة ذات الطبيعة السيادية واشتراط الجنسية المغربية:
تعتمد المنظومة القانونية المغربية مبدأ حصر ممارسة عدد من المهن الحرة، خاصة تلك التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالخدمة العامة، أو تتضمن صلاحيات ذات طبيعة سيادية، أو تمس مباشرةً النظام القانوني والاجتماعي للدولة. وقد نصت التشريعات المنظمة لهذه المهن صراحةً على شرط الجنسية المغربية كشرط أساسي وجوهري لا يمكن التنازل عنه للترشح لممارستها أو امتهانها.
يأتي هذا التوجه القانوني في إطار ضمان ولاء الممارسين لهذه المهن للنظام القانوني المغربي وحساسية المهام المنوطة بهم، والتي قد تؤثر على حقوق المواطنين والمصالح العليا للدولة.
مهن حرة مقيدة بالجنسية المغربية:
من أبرز المهن الحرة التي قيدت ممارستها بالجنسية المغربية نجد ما يلي:
1. مهنة الأعوان القضائيين (المفوضون القضائيون سابقًا):
تُعد مهنة الأعوان القضائيين (المفوضين القضائيين سابقًا) من المهن المساعدة للقضاء وذات الأهمية البالغة في سير العدالة. تقتضي مهامهم تنفيذ الأوامر والأحكام القضائية والقيام بالتبليغات، وهي مهام تتطلب الثقة الكاملة والالتزام بالمنظومة القضائية الوطنية.
- السند القانوني: ينص الفصل الرابع (4) من الظهير الشريف رقم 440-80-1 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 80-41 (المؤرخ في 25 دجنبر) على الشروط المطلوبة لممارسة هذه المهنة.
- التفصيل: يُلزم هذا الفصل المترشح بضرورة حيازة الجنسية المغربية كشرط لا غنى عنه، مما يستبعد الأجانب بشكل قاطع من ممارسة هذه المهنة الحساسة، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من سلطة التنفيذ القضائي.
2. مهنة العدول:
تُعتبر خطة العدالة من المهن العريقة في النظام المغربي الإسلامي، وهي مسؤولة عن تلقي الشهادات وتحرير الوثائق والمحررات الرسمية (مثل عقود الزواج، والطلاق، والبيع، والإرث). هذه المهام تتصل مباشرةً بالأحوال الشخصية والممتلكات والحقوق الأساسية للمواطنين، مما يضفي عليها طابعًا سياديًا أو شبه سيادي.
- السند القانوني: ينص الفصل الثاني (2) من القانون رقم 81-11 المتعلق بتنظيم خطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها، على الشروط اللازمة لممارسة هذه المهنة.
- التفصيل: يوجب هذا الفصل على المتقدمين لهذه الخطة أن يكونوا مغاربة الجنسية، ويرجع هذا الاشتراط إلى حساسية الوثائق المحررة من قبل العدول التي تُعتبر دليلاً قاطعًا أمام المحاكم، وضرورة إلمام الممارس بالشريعة والقانون المغربي وتفاصيل المجتمع المحلي.
المغزى من اشتراط الجنسية:
يمكن تلخيص أسباب تقييد هذه المهن بالجنسية المغربية في النقاط التالية:
- السيادة الوطنية: ضمان ممارسة المهام المرتبطة بالعدالة أو السلطة العامة من قبل مواطنين مغاربة حصراً.
- الثقة والأمانة: هذه المهن تتطلب ثقة عالية، واشتراط الجنسية يُعزز من الرقابة والانتماء المؤسسي والقانوني للممارس للدولة المغربية.
- الإلمام القانوني والاجتماعي: ضمان الإلمام التام بالتشريع المغربي، وكذلك بالتقاليد والعادات الاجتماعية واللغوية التي تُعد ضرورية في تحرير العقود والتعامل مع المواطنين (خاصة في خطة العدالة).
خلاصة القول، يُظهر التشريع المغربي توجهًا واضحًا نحو حماية المهن الحرة التي تتقاطع مع سلطة الدولة أو أمنها القانوني والاجتماعي، وذلك عبر فرض شرط الجنسية المغربية لضمان فعالية وسلامة واستقلالية هذه المهن.