إدارة الزراعة وموارد المياه (القضايا والخيارات)
د. صلاح درغوث - البنك الدولي
تشير هذه الورقة إلى أن نسبة الأراضي الزراعية في المملكة، التي تمثل أكبر دولة قاحلة في الشرق الأوسط، تبلغ 2% فقط. يسهم قطاع الزراعة بنسبة 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي الكلي و (10.4%) من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي ويستوعب (7.8%) من إجمالي القوى العاملة. وبفعل السياسات والحوافز الحكومية، فاق النمو الزراعي (70%) خلال الفترة 1985-1991م. ووصل إنتاج القمح ذروته البالغة (4.1) مليون طن عام 1992م مما جعل المملكة مصدراً هاماً للقمح لفترة من الزمن.ولكن، ومنذ منتصف التسعينات، قللت الدولة من الإعانات وطبقت نظام الحصص في إنتاج القمح بهدف اقتصار الإنتاج على مستوى الاكتفاء الذاتي. لذلك، انخفض الإنتاج إلى (1.7) مليون طن في نهاية التسعينات. ورغم ذلك، لا يزال القمح يغطي أكثر من ثلث المساحة المزروعة بالمحاصيل. ونتيجة للارتفاع المطرد للطلب على المياه ومصادر المياه السطحية غير الكافية وغير المضمونة، تعتمد المملكة اعتماداً كبيراً على المياه الجوفية التي تعد في الغالب غير متجددة، الأمر الذي أدى إلى التأثير على جودة المياه في الكثير من المناطق.
وترى الورقة أن تدخل الدولة في السوق ظل مكثفاً على الرغم من الاتجاه مؤخراً نحو ترشيد السياسات نتيجة الأعباء المالية المتزايدة. ولكن، وفي ظل الإعانات المتناقصة والتوجه نحو اقتصاد أكثر حرية وانفتاحاً (حيث تجري المملكة مفاوضات بشأن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية)، وتخفيض كمية المياه المستخدمة للزراعة، أصبح لزاماً السعي نحو تحسين مستوى الكفاءة والإنتاجية في مجال الزراعة من أجل مواجهة التحديات المستقبلية. فمن شأن تخفيض بعض الإعانات والتخلص التدريجي من الإعانات الأخرى، مثل إعانات الري، القضاء على تشوهات السوق والحد من معدل نضوب المياه الجوفية وإبقائه عند مستوى أكثر استدامة، وتعزيز الكفاءة في هذا القطاع من خلال التوجه نحو المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية مثل الفواكه والخضر.
وتذكر الورقة أن الري في المملكة يستهلك أكثر من (90%) من مصادر المياه النادرة. لقد ركزت السياسات الرسمية على زيادة العرض من المياه من خلال بناء السدود ومحطات تحلية المياه عالية التكلفة أكثر منها على إدارة الطلب عن طريق الإجراءات السعرية وغير السعرية. لقد ساهمت الإعانات الزراعية وإعانات المياه البلدية والصناعية ومياه الري المجانية في الاستهلاك السريع للمياه الجوفية. وعلى الرغم من صدور قرارات حكومية لتنظيم حفر الآبار وتعميقها، إلا أن مستوى تطبيق هذه القرارات كان ضعيفاً. وبالإمكان زيادة معدل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي من خلال مراجعة المعايير الحالية المتشددة بهدف السماح بإعادة الاستخدام في مجال الزراعة. لقد أصبح إعداد استراتيجية لإدارة موارد المياه قضية ملحة حيث يمثل إنشاء وزارة المياه الجديدة فرصة ذهبية لإعداد وتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية، التي ستسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في بناء قدرات الدولة فيما يختص بإدارة مواد المياه النادرة.
وأخيراً تؤكد الورقة على أن تحقيق الأمن الغذائي من حيث إنتاج القمح والسلع الاستراتيجية الأخرى على المدى القصير يبدو وكأنه سيقوض موارد المياه الجوفية المتاحة. وترى الورقة بأنه، بإمكان المملكة الاستفادة من إجراء تقويم دقيق للتجارب العالمية المتعلقة بالتصميم المؤسسي لتنظيم المياه الجوفية وإدارتها. وبالإمكان أيضاً دراسة إمكانية إنشاء مجموعات مستخدمي المياه لإدارة المياه الجوفية. ينبغي على المملكة أيضاً تنفيذ إجراءات إدارة الطلب بصورة صارمة لضمان توضيح المرئيات الفنية للمستخدمين المحليين على نحو فعال. وكما الحال في العديد من الدول الأخرى، يجب تبني مزيج من الإجراءات السعرية وغير السعرية بهدف تحسين مستوى الإنتاجية وكفاءة استخدام المياه.
ليست هناك تعليقات