مستقبل الجاليات العربية في غرب إفريقيا: تحديات قائمة وشكوك مقلقة
يتناول هذا التحليل الأوضاع الراهنة والمستقبلية للجاليات العربية، وتحديداً الجالية اللبنانية، في عدد من دول غرب إفريقيا، على رأسها سيراليون وساحل العاج وليبيريا، بالإضافة إلى بقية الدول الناطقة بالفرنسية ("الفرانكفونية"). وعلى الرغم من غياب المادة التوثيقية الشاملة والمباشرة، فإن التقييم العام يميل إلى وصف هذا المستقبل بأنه محفوف بـالشكوك الكبيرة، بل وقد يصل إلى حد الوصف بـ(المظلم) نظراً لتضافر مجموعة من العوامل المعقدة والخطيرة.
أولاً: العوامل الاقتصادية وتضاؤل النفوذ في سيراليون
تنبع إحدى أبرز نقاط الخطورة من الوضع الاقتصادي الهش لدولة سيراليون، التي تحتضن أكبر تجمع للجالية اللبنانية في المنطقة. ويمكن تفصيل هذا العامل على النحو التالي:
- الضعف الهيكلي للاقتصاد الوطني: تعاني سيراليون من فقر اقتصادي مستدام، كما أن الرأسمالية الوطنية فيها، وبخاصة النمط "الميركانتيلي" (التجاري القائم على المتاجرة والوساطة)، لا يزال ضعيف البنية والأساس. هذا الضعف يجعل الاقتصاد شديد التأثر بالصدمات المحلية والعالمية.
- تراجع السيطرة الاقتصادية: لم يعد العرب اللبنانيون يتمتعون بـالسيطرة الكاملة والمطلقة على الشرايين الحيوية لاقتصاد البلاد، لاسيما وأن سيراليون دولة ذات مصادر اقتصادية محدودة. هذا التضاؤل في النفوذ يقلل من قدرتهم على التأثير على مسار السياسات الاقتصادية ويجعلهم أكثر عرضة للمنافسة والقيود.
ثانياً: التدخل في الشأن السياسي المحلي والعالمي
يمثل الانخراط السياسي لبعض أفراد الجالية عاملاً خطيراً يهدد استقرارها، خاصة في ظل حساسية الأوضاع الداخلية:
- محاولات العمل السياسي المرتبط بالخارج: حاول بعض المنتمين للجالية اللبنانية ممارسة العمل السياسي، ليس فقط على المستوى المحلي في سيراليون، بل توسع الأمر ليشمل الارتباط بـنظام إسلامي ثوري معين على المستوى العالمي. هذا النوع من الارتباطات الخارجية يثير الريبة ويوفر مادة دسمة للمعارضة الداخلية.
- تفسير المعارضة والرأي العام: ينظر كل من المعارضة السياسية القوية والرأي العام في سيراليون إلى هذه التطورات والارتباطات على أنها تدخل سافر في السياسة الداخلية للبلاد. والمشكلة تكمن في أن هذا التدخل يُفسر على أنه يتم لـمصلحة الطبقة الحاكمة الحالية، مما يجعل الجالية موضع اتهام بالتواطؤ وخدمة أجندة فصيل معين ضد فصيل آخر، ويصعد من كراهيتها من قبل الأطراف السياسية المنافسة.
ثالثاً: مخاطر التغيير السياسي والاضطرابات المحتملة
إن الوجود العربي، لاسيما اللبناني، معرض لخطر وشيك يتمثل في عدم استقرار النظام السياسي:
- الخطر المترتب على التحولات السياسية: من المحتمل جداً أن يؤدي أي تغيير سياسي جوهري أو انقلاب في السلطة في سيراليون، أو غيرها من الدول المذكورة، إلى خلق وضع غير مريح للجالية العربية هناك.
- التهديدات المباشرة: يمكن أن تتراوح هذه الأوضاع غير المريحة بين حملات التضييق الاقتصادي وسحب الامتيازات، وصولاً إلى موجات العداء الشعبي أو حتى أعمال العنف التي تستهدف الجالية التي قد تُعتبر مقربة من النظام السابق أو متواطئة معه.
في الختام، تتجمع هذه العوامل - تضاؤل القوة الاقتصادية، وحساسية التدخل السياسي الخارجي، وخطر عدم الاستقرار السياسي الداخلي - لتشكل بيئة شديدة التعقيد والعداء المحتمل للجاليات العربية، مما يبرر التخوف من مستقبلها في منطقة غرب إفريقيا.