اللغة العربية كدعامة للهوية الموريتانية: كيف اكتسبت الدولة الفتية أوسع معاني الاستقلال الوطني بتوحيد اللسان في محيط أفريقي متعدد اللغات

موريتانيا: الاستقلال اللغوي كأعمق مظاهر السيادة الوطنية (1958)

يمثل عام 1958 نقطة تحول مفصلية وتأسيسية في تاريخ ما أصبح يُعرف لاحقًا باسم "الجمهورية الإسلامية الموريتانية". لم تكن هذه السنة مجرد تاريخ للاستقلال السياسي فحسب، بل كانت "سنة التكوين" التي حددت ملامح دولة صغيرة ذات خصوصية فريدة في محيطها القاري.


الخصوصية الموريتانية في السياق الأفريقي:

تتمتع موريتانيا، عند نشأتها، بوضعية فريدة جعلتها متميزة عن جيرانها من الدول الأفريقية:

  • الدولة العربية اللسان: برزت موريتانيا كدولة عربية اللسان والهُوية في منطقة جغرافية يغلب عليها الطابع الأفريقي الأسود. كانت هذه الخصوصية اللغوية بمثابة العمود الفقري لهويتها الثقافية والوطنية.
  • اللغة الوطنية مقابل الأجنبية: على عكس معظم الأقطار الأفريقية المحيطة، التي كانت تفتقر إلى "لغة وطنية رسمية" موحدة ومتفق عليها، وجدت موريتانيا نفسها تستند إلى لغة راسخة وموحدة (اللغة العربية).
  • التبعية اللغوية للدول الأفريقية الأخرى: اضطرت مجموعة كبيرة من الدول الأفريقية الحديثة الاستقلال إلى اعتماد اللغة الفرنسية، أو الإنجليزية، كلغة رسمية وحيدة لإدارة شؤون "الدولة" والحياة العامة والثقافة، نظرًا لغياب بديل محلي موحد يمتلك المرجعيات الكتابية والرسمية.

اللغة كمعيار لعمق الاستقلال الوطني:

يعتبر النص أن مسألة اللغة هي المظهر الأول والأعمق لمدى تحقق الاستقلال الوطني الفعلي والسيادة الحقيقية، ويرتكز هذا الاعتبار على الملاحظات التالية:

  • اللغة مرآة السيادة: إذا اعتُبرت القدرة على تبني لغة وطنية أصيلة ومستقلة كأول وأعمق مظهر للسيادة، فإن الوضع الموريتاني يكتسب دلالة استثنائية.
  • موريتانيا كنموذج للاستقلال اللغوي: على الرغم من كونها أصغر وطن أفريقي على الإطلاق وربما أفقر وطن من حيث الموارد الاقتصادية في ذلك الوقت، إلا أن موريتانيا كانت تُعتبر الوطن الوحيد الذي يتمتع بأوسع معاني الاستقلال في هذا السياق اللغوي.
  • الحاجة للغة الأجنبية: في المقابل، كانت مجموعة كبيرة من الأوطان الأفريقية الأخرى في حاجة ماسة وضرورية إلى الاعتماد بشكل كلي على لغة المستعمر (الفرنسية أو الإنجليزية) لتسيير حياتها "الدولة" وثقافتها، مما يضع علامة استفهام حول اكتمال استقلالها الثقافي والوطني مقارنة بموريتانيا.

خلاصة: يشدد التحليل على أن امتلاك موريتانيا للغة عربية وطنية ورسمية موحدة منحها استقلالاً ثقافيًا وهوويًا عميقًا، فاق استقلال العديد من الدول الأفريقية التي ظلت هويتها الإدارية والثقافية رهينة للغة المستعمر الفرنسي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال