مجموعة القبائل الجهنية: عمق تاريخي وامتداد جغرافي في السودان
تُمثل مجموعة القبائل الجهنية واحدة من الركائز القبلية الأساسية في النسيج الاجتماعي والسوداني، وهي تتميز بعمق تاريخي يربطها بالهجرات العربية القديمة، وامتداد جغرافي يغطي مساحات شاسعة من شرق السودان إلى غربه. هذا التنوع في التوزيع يعكس مرونة هذه المجموعة في التكيف مع البيئات المختلفة، من السهول الفيضية على النيل الأزرق إلى السافانا والصحاري في كردفان ودارفور.
1. التمركز الأساسي والخصوصية القبلية:
تُظهر المجموعات الأولى من الجهينة في وسط وشرق السودان نزوعًا للحفاظ على مسافة نسبية من الاختلاط الواسع مع القبائل النيلية أو غير العربية، مما ساعد في صيانة الكثير من تقاليدها وهويتها القبلية.
- قبيلة رفاعة (فروعها المختلفة): تُعتبر رفاعة القلب النابض للجهينة في الشرق. يتسم توزيعها الجغرافي بالارتباط بمصادر المياه والزراعة والرعي في آن واحد. يتركز الجزء الأكبر منها في منطقة البطانة – تلك السهول الخصبة بين الأنهار – مما جعلها قوة اقتصادية تعتمد على الرعي الموسمي والزراعة المطرية. كما يمتد وجودها على ضفاف النيل الأزرق، مستفيدة من الموارد المائية في ممارسة الزراعة النيلية.
- قبائل كردفان الشرقية (الزيادية، البزعة، الشنابلة، المعالية): تمتد فروع الجهينة شرقًا ووسط كردفان، لتشغل مناطق حيوية بين قلب السودان وغربه. هذه المجموعات غالبًا ما تمارس نمطًا مختلطًا من الرعي والزراعة المطرية، مستفيدة من خصوبة موسم الخريف. ويُعد وجود هذه القبائل في هذه المنطقة بمثابة جسر يربط بين المراكز الحضرية القديمة والمناطق الرعوية الغربية.
2. الهجرة والتكيف: الجهينة في غرب السودان
تُعد هجرة وامتداد الجهينة نحو الغرب (كردفان ودارفور) مثالاً ساطعًا على التكيف البيئي والاجتماعي. هذه المجموعات انصهرت في بيئة السافانا القاحلة والمدارية، وأصبحت المكون الرئيسي لقبائل الرعاة الكبرى.
أ. رعاة الإبل والمناطق الشمالية (شمال كردفان ودارفور)
في الأجزاء الشمالية الأكثر جفافًا، تحولت بعض المجموعات الجهنية إلى رعي الإبل بشكل رئيسي، وأصبحت جزءًا من المنظومة الصحراوية:
- الكبابيش والمحاميد والهواوير: يُعد الكبابيش من أشهر قبائل رعاة الإبل في السودان، وتهيمن على مساحات شاسعة في شمال كردفان نحو الصحراء الكبرى. يتميزون بنظام اقتصادي يعتمد على الترحال الموسمي الطويل (النجعة)، بحثًا عن الكلأ والماء، ويُشكلون حلقة وصل في التجارة بين الشمال والجنوب.
- الدويحية والمسلمية: تمثل هذه القبائل امتدادًا لهذا التوزيع في مناطق كردفان المختلفة، وتساهم في التنوع الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة.
ب. قبائل البقارة: القوة الرعوية الجنوبية
تُمثل قبائل البقارة (رعاة الأبقار) الثقل الأكبر للجهينة في المناطق المدارية الرعوية في جنوب كردفان ودارفور. تتوزع هذه القبائل على خطوط عرضية وتتمتع بتنظيم قبلي متماسك:
محور النيل الأبيض وجنوب كردفان:
- بنوسليم: تتركز هذه المجموعة على ضفاف النيل الأبيض، مما يمنحها ميزة في الاستفادة من مراعي السهول الفيضية.
- الحوازمة والمسيرية: تتشكل قوة رعوية ضخمة بين النيل الأبيض والدلنج (الحوازمة) وجنوب الدلنج (المسيرية). هذه القبائل تتبع أنماط ترحال رأسي (شمالًا وجنوبًا) بين المراعي الصيفية والشتوية.
- قبيلة الحمر: تقع قبيلة الحمر في نقطة استراتيجية بين شمال بحر العرب وجنوب غرب المسيرية، وتلعب دورًا محوريًا في التفاعلات القبلية في المنطقة.
ج. فروع الجهينة في دارفور:
في إقليم دارفور، يُشكل فرع البقارة العمود الفقري لبعض المجموعات الكبرى، وهم يتقاسمون مساحات واسعة من المراعي الجنوبية:
- الرزيقات والهبانية والتعايشة والبني هلبة: تُعد هذه القبائل الأربعة من أبرز قبائل البقارة في دارفور. تتميز بمساكنها الواسعة وأنظمتها التقليدية الراسخة. تتخذ هذه القبائل نمط ترحال موسمي يخدم رعي الأبقار، وتلعب دورًا تقليديًا هامًا في الحركات السياسية والتاريخية للإقليم.