تصريح 28 فبراير 1922: إعلان إنهاء الحماية البريطانية على مصر مقابل الاستسلام للتحفظات الأربعة التي أبقت على جوهر الاحتلال والسيطرة

تصريح 28 فبراير 1922: إعلان الاستقلال المشروط وبداية المرحلة الليبرالية في مصر

يُعد تصريح 28 فبراير 1922 وثيقة تاريخية محورية أصدرتها بريطانيا العظمى، وقد مثل هذا التصريح نقطة تحول كبرى في تاريخ مصر الحديث. فبينما أعلن إنهاء الحماية البريطانية على البلاد، إلا أنه قيد هذا الاستقلال بأربعة تحفظات جوهرية أبقت على النفوذ والسيطرة البريطانية الفعلية.


1. نصوص التصريح الجوهرية (إعلان الاستقلال الاسمي):

نص التصريح على مبدأين أساسيين شكلا اعترافاً بريطانياً بوجود دولة مصرية مستقلة، وإن كان هذا الاعتراف نظرياً في جوهره:

  • إنهاء الحماية البريطانية على مصر: ألغى التصريح نظام الحماية الذي فرضته بريطانيا على مصر منذ عام 1914، منهياً بذلك الشكل الرسمي للاحتلال.
  • الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة: اعترفت بريطانيا بوجود دولة مصرية مستقلة، وهو ما كان يمثل مطلباً شعبياً، وخطوة أولى نحو التحرر من السيطرة الأجنبية.

2. التحفظات الأربعة (قيود الاستقلال الفعلي):

لضمان استمرار هيمنتها على مقدرات البلاد ومنع الاستقلال التام، أرفقت بريطانيا بتصريح الاستقلال أربعة تحفظات أو شروط، سُميت بالتحفظات الأربعة، شكلت أساس التدخل البريطاني المستمر في الشؤون المصرية:

أ. تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر:

  • الهدف الفعلي: كان هذا التحفظ مبرراً لوجود واستمرار قوات الاحتلال البريطاني في مصر، خاصة حول قناة السويس والمناطق الحيوية الأخرى، باعتبارها جزءاً حيوياً من طريق الإمبراطورية للهند والشرق الأقصى.

ب. حق إنجلترا في الدفاع عن مصر:

  • الهدف الفعلي: استخدمت بريطانيا هذا الحق كذريعة لمنع مصر من تكوين جيش وطني قوي ومستقل. فبما أن بريطانيا تتولى الدفاع، لم تكن هناك حاجة لجيش مصري فعال، مما أبقى مصر عاجزة عن حماية سيادتها بنفسها.

ج. حماية المصالح الأجنبية والأقليات في مصر:

  • الهدف الفعلي: منح هذا التحفظ بريطانيا الحق المطلق في التدخل في الشؤون الداخلية المصرية بذريعة حماية مصالح الرعايا الأجانب وحقوق الأقليات، مما يقوض السيادة المصرية في التشريع والقضاء والإدارة.

د. حق إنجلترا في التصرف في السودان (مسألة السودان):

  • الهدف الفعلي: أبقى هذا التحفظ مسألة السودان (الذي كان خاضعاً للحكم الثنائي المصري البريطاني) تحت السيطرة البريطانية الكاملة، مبرراً بذلك استمرار وجود جيش احتلال بريطاني في السودان ومنع الوحدة بين وادي النيل.

3. موقف الشعب المصري من التصريح:

رغم ما حمله التصريح من اعتراف رسمي بإنهاء الحماية، إلا أن الشعب المصري والحركة الوطنية نظروا إليه بعين الريبة والرفض:

  • عدم تحقيق الأماني الوطنية: أدرك الشعب المصري أن التحفظات الأربعة فرغت الاستقلال من محتواه الحقيقي، وأبقت على القيود الجوهرية التي تمنع السيادة الكاملة والتحرر من الهيمنة العسكرية والسياسية البريطانية.
  • رفض التصريح: قوبل التصريح برفض واسع من قبل القوى الوطنية، التي أصرت على أن تكون المفاوضات هي الطريق الوحيد للاستقلال التام غير المشروط، وعدم قبول الحلول المنفردة التي تفرضها بريطانيا.

4. النتائج المترتبة على تصريح 28 فبراير 1922:

على الرغم من تحفظات بريطانيا، أحدث التصريح تغييرات دستورية وسياسية هامة في مصر، دشن بها دخول البلاد إلى العصر الليبرالي:

  • الحق في إصدار الدستور: أهم نتيجة مباشرة هي منح مصر الحق في إصدار دستور خاص بها، وهو ما سمح بوضع إطار قانوني جديد ينظم سلطات الدولة.
  • تغيير لقب الحاكم: رُفع لقب حاكم مصر من "سلطان" إلى "ملك". وبموجب هذا التغيير، أصبح السلطان فؤاد يُسمى الملك فؤاد الأول اعتباراً من 15 مارس 1922.
  • دخول المرحلة الليبرالية (الدستورية): النتيجة الأهم والأعمق هي دخول مصر المرحلة الليبرالية. ويعني ذلك الانتقال النظري والفعلي إلى مبدأ "الأمة مصدر السلطات"، بعد أن كانت السلطة تستمد بشكل مطلق من الحاكم المصري أو السلطة الأجنبية. هذا التغير مثل أساساً لظهور الحياة النيابية والأحزاب.
  • وضع دستور 1923: تألفت لجنة وطنية لوضع الدستور الجديد لتحقيق الهدف الليبرالي. وعلى الرغم من نجاح اللجنة إلى حد كبير في صياغة دستور يمثل تقدماً ديمقراطياً، إلا أن الملك فؤاد تدخل في نصوص دستور 1923 ليمنح نفسه صلاحيات واسعة على حساب سلطة الأمة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال