مستوى المعيشة في السودان: من التضخم إلى الفقر المدقع.. توصيف متكامل لأزمة اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة

مستوى المعيشة في السودان: أزمة اقتصادية وإنسانية متفاقمة

يمر مستوى المعيشة في السودان بواحدة من أصعب مراحله التاريخية، حيث يعكس الواقع الحالي تدهورًا اقتصاديًا حادًا وتفاقمًا للأزمات الإنسانية والاجتماعية، لا سيما في ظل النزاع الدائر وعدم الاستقرار السياسي. يمكن تفصيل هذا الواقع عبر عدة محاور رئيسية تشكل الإطار العام للحياة اليومية للمواطن السوداني.

1. الانهيار الاقتصادي ومؤشرات الفقر المدقع:

يشهد الاقتصاد السوداني انهيارًا شاملاً أثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما أدى إلى اتساع رقعة الفقر.
  • التضخم المنفلت وتآكل الأجور: يعاني السودان من معدلات تضخم مرتفعة للغاية (وصلت إلى 256.17\% وفقًا لبعض التقديرات الأخيرة)، مما أدى إلى تآكل شبه كامل للقوة الشرائية للعملة المحلية، الجنيه السوداني. هذا التضخم يجعل أسعار السلع الأساسية تتضاعف باستمرار.
  • الفجوة بين الدخل والتكلفة: تشير الدراسات الأخيرة إلى اتساع هائل في الفجوة بين متوسط الأجور وتكلفة المعيشة الحقيقية. وقد قدرت تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة مكونة من خمسة أفراد بنحو 485 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ يتجاوز بكثير الرواتب الشهرية للغالبية العظمى من العاملين في الدولة، حيث لا يغطي متوسط الأجر سوى نسبة ضئيلة جدًا من هذه التكاليف.
  • مستويات الفقر: تجاوزت مستويات الفقر الحدود العادية، حيث يعيش جزء كبير من العاملين في القطاع الحكومي تحت خط الفقر المدقع وفقًا للمعايير الدولية (أقل من 2 دولار يوميًا)، بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن نسبة الفقر العامة في البلاد قد بلغت مستويات عالية جدًا.

2. الأمن الغذائي وتوافر السلع الأساسية:

يُعد الأمن الغذائي من أبرز التحديات التي تؤثر على جودة المعيشة، خاصةً مع تدهور القطاعات الإنتاجية.
  • شلل القطاع الزراعي: القطاع الزراعي، الذي يعتمد عليه نحو 80\% من السودانيين ويساهم بحوالي 40\% من الناتج المحلي الإجمالي، تعرض لشلل كبير بسبب النزاع. أدى هذا إلى انخفاض المساحات المزروعة وتفاقم أزمة الأمن الغذائي ونقص السلع.
  • نقص السلع وارتفاع الأسعار: بسبب انهيار سلاسل الإمداد والتوريد وتوقف المصانع في مناطق النزاع، تعاني الأسواق من نقص حاد في السلع الغذائية والأساسية والمحروقات. هذا النقص يصاحبه ارتفاع جنوني في الأسعار، مما يضع عبئًا إضافيًا على الأسر.
  • انتشار الجوع: نتيجة لنقص السلع وارتفاع الأسعار، انتشرت ظاهرة الجوع بين السكان، وتدهورت الصحة العامة بسبب نقص المغذيات الأساسية.

3. تدهور الخدمات والبنية التحتية:

أثر النزاع بشكل مدمر على البنية التحتية والخدمات العامة، مما ضاعف من معاناة المواطنين.
  • التعليم والصحة: يعاني قطاعا التعليم والصحة من نقص التمويل وضعف البنية التحتية، وقد تفاقمت هذه المشاكل مع تدمير أو خروج عدد كبير من المرافق الصحية والتعليمية عن الخدمة بسبب الحرب.
  • البنية التحتية المدمرة: تعرضت الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والاتصالات والمنشآت الحيوية في مناطق واسعة، وخاصة العاصمة، لأضرار بالغة، مما أدى إلى تعطيل الحياة اليومية وشل الحركة الاقتصادية.
  • أزمة النزوح: أدى النزاع إلى موجات نزوح داخلي وخارجي ضخمة، مما وضع ضغوطًا هائلة على المدن والولايات المضيفة التي تعاني أساسًا من ضعف الخدمات.

4. سوق العمل والبطالة:

يعكس سوق العمل صورة قاتمة، حيث تتصاعد معدلات البطالة، خاصة بين الشباب.
  • فقدان الوظائف: فقدت غالبية المواطنين وظائفهم وأعمالهم نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية، وتوقف العمل في المصانع، وإغلاق الشركات بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
  • معدلات البطالة: تشير التقديرات إلى ارتفاع معدل البطالة، والذي قد يتجاوز 30\%، مما يزيد من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
  • اعتماد على الأعمال الحرة: يعتمد جزء كبير من السودانيين (80\% تقريباً) على الأعمال الحرة أو غير الرسمية، مما يجعلهم عرضة بشكل أكبر لتقلبات السوق وتدهور الأوضاع المعيشية.

5. الآثار الاجتماعية والنفسية:

لا يقتصر تأثير تدهور مستوى المعيشة على الجانب المادي، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي والأمن العام.
  • تفاقم الظواهر السالبة: يرى مراقبون أن التدهور المعيشي، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، أدى إلى انتشار خطير لظواهر اجتماعية سلبية مثل جرائم السرقة والنهب والقتل، التي تعد من إفرازات الانهيار الاقتصادي.
  • الإحباط والهجرة: يواجه العاملون حالة من الإحباط المتزايد نتيجة عدم تنفيذ وعود تحسين الأجور، مما يدفع الكثيرين للبحث عن سبل للهجرة أو الهجرة العكسية من المدن الكبرى (كالقاهرة) إلى مناطق أخرى هربًا من الغلاء.
بشكل عام، يمكن وصف مستوى المعيشة في السودان بأنه في حالة أزمة إنسانية واقتصادية متكاملة، تتطلب تدخلاً عاجلاً لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي لوقف التدهور المستمر في حياة المواطنين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال