البنك الأهلي السوداني: من التأسيس الوطني في 1983م إلى التحول الاستراتيجي بشراكة مجموعة بنك عودة وأثرها على النمو المصرفي

البنك الأهلي السوداني: مسيرة من التأسيس إلى التحول الاستراتيجي

يُمثّل البنك الأهلي السوداني (National Bank of Sudan) صرحاً مالياً خاصاً، يترسخ وجوده في العاصمة السودانية الخرطوم. وتكتسب مسيرة البنك أهمية خاصة كونها تعكس جزءاً من التطورات الاقتصادية والمالية التي مر بها السودان.


النشأة الأولى والملكية الوطنية (1983م - 2006م):

وُلد البنك الأهلي السوداني في الثالث من مايو لعام 1983م، ليكون إضافة نوعية للقطاع المصرفي السوداني. بدأ البنك كبنك تجاري بجهود ومبادرات من رجال المال والأعمال والأسر السودانية الوطنية البارزة، بهدف توظيف إمكاناتهم المالية وخبراتهم التجارية في تأسيس مؤسسة مصرفية قادرة على الوقوف بجانب البنوك التجارية العاملة في البلاد.

  • الهدف التأسيسي: سد الفجوة في النشاط المصرفي الذي كان يغلب عليه حينها فروع البنوك الأجنبية أو البنوك المحلية الحكومية.
  • الوضع القانوني والملكية: ظل البنك الأهلي السوداني منذ تاريخ إنشائه وحتى عام 2006م يتبع رأسماله بالكامل لمساهمين سودانيين، محافظاً على صبغته المحلية الخالصة في تلك المرحلة المبكرة.

نقطة التحول: شراكة بنك عودة (2006م)

يُعد عام 2006م نقطة مفصلية في تاريخ البنك، حيث شهد دخول بنك عودة اللبناني كشريك استراتيجي، مما أحدث نقلة نوعية في هيكلة البنك وإمكاناته.

  • عقد الشراكة التاريخي: في الرابع من يوليو 2006م، قام بنك عودة، وهو جزء من مجموعة بنك عودة سردار ذات الانتشار الإقليمي، بشراء حصة أغلبية بلغت 75% من أسهم البنك الأهلي السوداني.
  • تعزيز رأس المال: كان الأثر المباشر لهذه الشراكة هو القفز برأس مال البنك الأهلي إلى مستوى جديد ومميز، حيث ارتفع إلى 72 مليون دولار أمريكي. هذا الارتفاع عزز بشكل كبير من سيولة البنك وقدرته على تمويل المشاريع الكبيرة وإدارة المخاطر.
  • تثبيت الهيمنة الإدارية: أصبحت الإدارة الفعلية للبنك تدار من قبل مجموعة بنك عودة، وقد بلغت حصة بنك عودة حوالي 76.56% بحسب إحصائية تعود لعام 2008م. يُشغل منصب المدير العام حالياً السيد مبارك شربل، الذي يواصل قيادة دفة البنك وفق الرؤية الجديدة.

ملحوظة: كانت هذه الشراكة تهدف إلى دمج الخبرات المصرفية الدولية لمجموعة عودة مع المعرفة العميقة للسوق السودانية، ما ساهم في وصف النظام المصرفي للبنك الأهلي السوداني بأنه من أقوى الأنظمة المصرفية العاملة في البلاد منذ عام 2006م.

 

الأداء المالي والتصنيف الجديد:

أثرت الشراكة الاستراتيجية إيجاباً على الأداء المالي والمركز التنافسي للبنك في السوق السوداني:

  • النمو في الأرباح: دلّت التقديرات المالية لعام 2008م على تحقيق البنك لنمو كبير في الأرباح، بلغ حوالي 100% مقارنة بالعام السابق، مما يشير إلى نجاح استراتيجية الشراكة في فترة زمنية قصيرة.
  • القاعدة الرأسمالية: بلغ رأس المال المدفوع للبنك حوالي 150,000,000 جنيه سوداني (في الفترة التي سبقت التغييرات الجذرية في سعر الصرف).
  • التحول في طبيعة العمل: أصبح البنك الأهلي السوداني يعمل كمؤسسة مصرفية مزدوجة، تجمع بين صفة البنك التجاري والاستثماري، ما يتيح له تقديم حزمة واسعة من الخدمات المالية التي تلبي احتياجات قطاعات الشركات والأفراد والاستثمار.

التكيّف مع البيئة المصرفية السودانية:

تطلب عمل البنك في السودان التكيف مع التشريعات المصرفية الخاصة، خاصة بعد التحولات السياسية الكبرى.

  • قانون بنك السودان المركزي (2006): بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل التي أنهت الحرب الأهلية في جنوب السودان، أصدر بنك السودان المركزي تعديلاً قانونياً في عام 2006م لتنظيم النظام المصرفي.
  • النظام المصرفي المزدوج: نص القانون على إنشاء نظام مصرفي مزدوج: نظام إسلامي في الشمال ونظام تقليدي في الجنوب. وقد اضطر البنك الأهلي السوداني، كسائر البنوك العاملة في البلاد، إلى تكييف عملياته وخدماته المصرفية وفقاً لهذه الأنظمة المتبعة، ليحافظ على شرعيته وتواجده في السوق.

التطورات اللاحقة (بيع حصة بنك عودة):

تجدر الإشارة إلى أن مسيرة البنك لم تتوقف عند شراكة بنك عودة، حيث تشير المصادر إلى تطور لاحق في عام فبراير 2017م، تم فيه بيع حصة بنك عودة (التي كانت تمثل الأغلبية) إلى مجموعة رجال أعمال إماراتيين. هذا التحول الأخير يُبقي على طبيعة البنك كمؤسسة خاصة ويضيف بُعداً جديداً للعلاقات الاقتصادية والمصرفية بين السودان ودولة الإمارات، مما يجعله جسراً مهماً لدعم الاقتصاد السوداني في مختلف المجالات.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال