مدرسة الفرير الثانوية في القدس: صرح تعليمي عثماني النشأة داخل أسوار البلدة القديمة (1876-2024)، تاريخ من العطاء النوعي وتحول الإدارة إلى القيادة الوطنية الفلسطينية

تاريخ وعراقة مدرسة الفرير الثانوية في القدس:

تُعد مدرسة الفرير الثانوية في القدس (Collège des Frères Jerusalem) صرحاً تعليمياً ذا أهمية تاريخية وثقافية عميقة، إذ يعود تأسيسها إلى عام 1876، أي خلال العهد العثماني في فلسطين. هذا التاريخ المبكر يجعلها من أقدم المؤسسات التعليمية الحديثة والفاعلة في المدينة المقدسة.


الموقع التاريخي والهوية الكاثوليكية:

تتموضع المدرسة في قلب النسيج التاريخي للمدينة، تحديداً داخل أسوار البلدة القديمة، بالقرب من باب الجديد وفي حارة النصارى. هذا الموقع ليس مجرد عنوان، بل هو تجسيد لدورها كـ مدرسة كاثوليكية أسستها جمعية أخوة الفرير (Brothers of the Christian Schools)، وهي جمعية رهبانية دولية أسسها القديس جان-باتيست دلا سال في القرن السابع عشر، وكان هدفها الأساسي توفير التعليم لأبناء الفقراء وتوسيع الفرص التعليمية للجميع.


الرسالة التعليمية والتحول الإداري:

الرسالة الأصلية: الجودة والشمول:

منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، ركزت رسالة جمعية أخوة الفرير على تقديم تعليم نوعي ومميز للطلاب الفلسطينيين. كان التركيز بشكل خاص على خدمة الفئات الفقيرة والمحرومة، مما جعل المدرسة ليست مجرد مكان لطلب العلم، بل مركزاً للإصلاح الاجتماعي والارتقاء بالفرد والمجتمع. وقد استمر هذا النهج في بناء شخصية الطالب بالاعتماد على الأخلاق اللسالية (نسبة إلى المؤسس دي لا سال) والتي تركز على العزيمة والإصرار وبناء الوعي والمعرفة.

تطور الهيكل الإداري والطلابي:

شهدت المدرسة تحولات إدارية وتنظيمية عكست انفتاحها على المجتمع المحلي:

  • التحول إلى مدرسة مختلطة: في عام 1999، اتخذت المدرسة قراراً جوهرياً بتحويل نظامها ليصبح مختلطاً، فبدأت باستقبال الطالبات إلى جانب الطلاب، مما عزز مبدأ المساواة في فرص التعليم.
  • تسليم القيادة للطاقم الفلسطيني: في عام 2005، خطت المدرسة خطوة هامة نحو تعزيز هويتها الوطنية، حيث تم تسليم دفة القيادة والإدارة إلى طاقم محلي فلسطيني برئاسة مدير عام فلسطيني. هذا التطور ضمن استمرار المدرسة في العمل وفقاً لاحتياجات المجتمع المقدسي وتطلعاته.

المنهج التعليمي والامتداد الجغرافي:

منهج متعدد اللغات والتخصصات:

تتبع مدرسة الفرير الثانوية في القدس المنهاج الرسمي الفلسطيني، مع إضافة مواد مميزة تهدف لتعميق التعدد الثقافي واللغوي لدى الطلاب:

  • إلى جانب المواد الأساسية، تمنح المدرسة أهمية خاصة لتدريس اللغة الفرنسية كجزء من تراث الجمعية الفرنسية.
  • كما تمنح تعليماً في اللغة العبرية، مما يزود الخريجين بمهارات تواصل أساسية في السياق الجغرافي المحيط.
  • تشمل المراحل الدراسية في المدرسة عادةً من الصف التمهيدي حتى الصف الثاني عشر، وتصل القدرة الاستيعابية الإجمالية لفروعها لحوالي 1600 طالب وطالبة، يعمل على تعليمهم أكثر من 100 معلم ومعلمة.
  • كما يتوفر في فروع المدرسة مرافق متقدمة مثل مختبرات العلوم والحاسوب والمكتبات، بالإضافة إلى ملاعب وقاعات متعددة الأغراض.

الامتداد التاريخي لمدارس الفرير في فلسطين والشرق الأوسط:

كانت مدرسة القدس هي البذرة التي نمت منها شبكة مدارس الفرير في المنطقة. فبعد تأسيسها في عام 1876، تلتها مدارس أخرى:

  • يافا عام 1882.
  • الناصرة، بيت لحم، وحيفا عام 1893.
  • عمّان (الأردن) عام 1950، وهي جزء من شبكة المدارس في الأراضي المقدسة والأردن.

هذا الانتشار يؤكد على الدور الرائد لجمعية أخوة الفرير في بناء نظام تعليمي حديث في فلسطين والمنطقة، وتخريجها لعديد من الشخصيات البارزة في مجالات مختلفة، منهم على سبيل المثال: سعد الدين العلمي، موسى العلمي، وهنري قطان.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال