أحكام خيار الشرط في العقد:
يُعد خيار الشرط من الضمانات الهامة التي تُمنح لأحد المتعاقدين أو لكليهما للتروي والتفكير قبل إتمام العقد بشكل نهائي، مما يجعله عقدًا غير لازم في مدة الخيار بالنسبة لمن اشترطه.
1. ماهية ونطاق خيار الشرط:
- تعريف الخيار: هو حق يمنح لأحد المتعاقدين أو لكليهما، أو حتى لشخص أجنبي عنهما، يخول له فسخ العقد أو إجازته (إمضائه) خلال مدة محددة.
نطاق العقود: يُشترط هذا الخيار في العقود اللازمة التي تحتمل الفسخ بطبيعتها، كعقود المعاوضات المالية كالبيع والإجارة.
- مثال: يصح في عقد البيع، ولا يصح في العقود التي لا تحتمل الفسخ كالزواج والضمان، أو العقود غير اللازمة بطبيعتها كالهبة والوديعة (والتي يمكن فسخها بإرادة واحدة).
تحديد المدة:
- الاتفاق هو الأصل: يجوز للعاقدين أن يشترطا هذا الخيار في صلب العقد أو بعده (ما دام العقد غير لازم)، وتكون المدة هي التي يتفقان عليها بوضوح.
- تحديد القاضي: إذا لم يتفقا على تحديد المدة، جاز للقاضي أن يحددها وفقًا للعرف الجاري في مثل هذه المعاملات، لرفع الجهالة عن المدة التي تؤدي إلى بطلان الشرط في بعض المذاهب.
- لمن يُشرط الخيار: يجوز اشتراط الخيار لأحد العاقدين أو لكليهما، أو لشخص أجنبي عنهما، ليمارس حق الإجازة أو الفسخ.
2. الأثر المترتب على اشتراط الخيار:
يترتب على اشتراط خيار الشرط جعل العقد نافذاً غير لازم في حق من له الخيار، ولهذا أثر على انتقال الملكية:
- الخيار لكل من العاقدين (البائع والمشتري):
- الأثر: لا يخرج البدلان (المبيع والثمن) عن ملك صاحبهما. يبقى المبيع في ملك البائع، ويبقى الثمن في ملك المشتري.
- الحكمة: كون كل طرف يملك حق الفسخ يمنع انتقال الملكية إليه، إذ قد يقرر فسخ العقد، فتبقى الأموال على ملك أصحابها الأصليين.
- الخيار لأحد العاقدين فقط:
- الأثر: لا يخرج المال الذي يملكه صاحب الخيار عن ملكه، ولا يدخل مال الطرف الآخر في ملك صاحب الخيار.
- مثال: إذا كان الخيار للمشتري، لا يخرج الثمن عن ملك المشتري، ولا يدخل المبيع في ملكه حتى يختار الإجازة.
3. كيفية ممارسة الخيار (الفسخ أو الإجازة):
لصاحب خيار الشرط وحده الحق الكامل في اختيار:
- الفسخ: إنهاء العقد وإبطاله.
- الإجازة: إمضاء العقد وجعله لازماً.
أ. أحكام الإجازة:
- أثر الإجازة: إذا اختار صاحب الخيار الإجازة، لزم العقد نهائياً، ويصبح العقد صحيحاً ونافذاً بآثاره، ويُعتبر مستنداً إلى وقت نشوئه (تاريخ إبرام العقد).
- إبلاغ الطرف الآخر: لا يُشترط لصحة الإجازة علم الطرف الآخر بها، حيث أن الإجازة هي تأكيد على وجود العقد أصلاً.
- الإجازة الضمنية: يسقط الخيار ويلزم العقد أيضاً إذا مضت المدة المتفق عليها دون اختيار الفسخ أو الإجازة، فيعتبر سكوت صاحب الخيار خلال المدة إجازة ضمنية للعقد.
ب. أحكام الفسخ:
- أثر الفسخ: إذا اختار صاحب الخيار الفسخ، انفسخ العقد بأثر رجعي، ويُعتبر كأن لم يكن من وقت انعقاده، وتُرد البدائل لأصحابها.
- إبلاغ الطرف الآخر: يُشترط لصحة الفسخ بالقول علم الطرف الآخر به، ليكون الفسخ نافذاً في حقه.
- عدم الحاجة للتراضي أو التقاضي: لا يُشترط لصحة الفسخ التراضي بين الطرفين، ولا التقاضي (اللجوء إلى المحكمة)، بل هو حق انفرادي لمن شُرط له الخيار.
- الخيار المشروط للطرفين: إذا كان الخيار مشروطاً لكليهما، فإن اختيار أحدهما الفسخ يفسخ العقد بالكامل، حتى لو أجازه الطرف الآخر. أما إذا اختار أحدهما الإجازة، فإن العقد يبقى غير لازم، ويبقى للآخر خياره حتى نهاية مدة الخيار.
ج. صور ممارسة الخيار:
- بالفعل أو بالقول: يكون الفسخ أو الإجازة بكل فعل أو قول يدل على أيهما، سواء كان ذلك صراحةً (كأن يقول: أجزت العقد/فسخت العقد) أو دلالةً (كأن يتصرف صاحب الخيار في الشيء تصرف المالك، كالبيع أو الهبة، مما يُعتبر إجازة ضمنية).
4. أحكام سقوط الخيار:
يسقط خيار الشرط، وبالتالي يلزم العقد، في الحالات التالية:
الإجازة الصريحة أو الضمنية:
- الإجازة الصريحة بلفظ أو كتابة.
- مضي المدة دون ممارسة حق الفسخ أو الإجازة (إجازة ضمنية).
- التصرف في محل العقد: قيام من له الخيار بتصرف يدل على إمضاء العقد (كبيع أو إيجار المبيع، أو التصرف في الثمن).
موت صاحب الخيار: يسقط الخيار بموت صاحبه في خلال مدته، ويلزم العقد بالنسبة إلى ورثته.
- استثناء: إذا كان الخيار مشروطاً للطرف الآخر أيضاً، فإنه يبقى للآخر خياره حتى نهاية مدته المقررة له.
- ملاحظة: هذا الحكم يمثل الرأي الراجح، حيث أن حق الخيار لا يورث لأنه مرتبط بشخص صاحبه، على خلاف بعض الخيارات الأخرى كخيار العيب.
