كانت الفترة التي تلت وفاة الإمام احمد بن سعيد عام 1783م فترة حاسمة في التاريخ العماني الحديث، اذ ظهر خلالها خريطة سياسية وطنية جديدة، وثقافة سياسية متباينة بين نظام الإمامة ونظام السيادة، وسوف يعرف هذا النظام الأخير لاحقا باسم السلطنة.
بعد وفاة الإمام احمد بن سعيد، انتخب ابنه الرابع سعيد إماما، وعلى كل حال لم يكن القائد الجديد رجل دولة إضافة إلى انه لم يكن منذ عهد أبيه مقبولا لدى العمانيين خاصة وذلك منذ أن عهد إليه والده بعض المهمات الرسمية، وكان احد المآخذ عليه انه أعطى سلطات كبيرة لابنه حمد ممثلة في المنطقة الساحلية حيث كان يمارس سلطة حاكم بمجرد كونه ينتمي إلى أسرة البوسعيد.
وفي عام 1792م وبعد تسع سنوات من عهده، ثار عليه أخواه قيس وسلطان أرغم سعيد على التنازل عن الحكم لصالح ابنه حمد حيث كان يتمتع بشخصية قوية، ولكن الإمام سعيد لم يتخل عن لقبه كإمام، بل تنازل عن السلطة السياسية لابنه السيد حمد، حيث قام باتخاذ قراره التاريخي بنقل عاصمته السياسية إلى مسقط بدلا من الرستاق.
وقد اثر هذا القرار التاريخي والإستراتيجي على التطور اللاحق للتاريخ العماني، فهو انفصال بنيوي بين النظام السياسي والنظام الديني، وعرض أيضا العاصمة الجديدة مسقط والبلاد كلها للنفوذ السياسي والعسكري والثقافي الأجنبي، وخاصة البريطاني، فكان لعمان في ذلك الوقت عاصمتان، نزوى وهي العاصمة التقليدية والمركز الديني والروحي للداخل، ومسقط العاصمة التجارية والسياسية للساحل.
وكان ذلك عبارة عن عصر انعطاف، حيث أن عهد أحمد بن سعيد لم يطل إذ توفي في السنة نفسها التي تولى فيها السلطة رسميا، ونتيجة لذلك تجدد الصراع على السلطة بين الإمام الرسمي سعيد أخويه قيس وسلطان، ولم يوفق سعيد في استعادة السيطرة على البلاد في حين بدأ أخوه سلطان بشخصيته القوية في البروز كبديل وكرجل الدولة الكفء.
حدث لقاء بين ورثة السلطة المتمثلة في سعيد وسلطان وقيس في أحد موانئ بركا، هذا الاتفاق تعلق بتقسيم عمان إلى ثلاث مراكز رئيسية، فسعيد الإمام الرسمي بقى في الرستاق في حين استولى سلطان على السلطة في مسقط، واتخذ قيس منطقة صحار القريبة من مضيق هرمز مركزا لسلطته، وهكذا وبالمساعدة الفعلية للبريطانيين خرجت دولة عمان الإسلامية التي كانت موجودة منذ اكثر من 1500 سنة من المسرح السياسي.
لم يمثل هذا الاتفاق بداية تاريخ سياسي وثقافي جديد، بل عنى نفيا تدريجيا لتقاليد الإمامة، وقد عاشت عمان فترة اضطرابات وتحولات سياسية وثقافية، وخرجت مسقط من ذلك بصيغة سياسية وثقافية واستراتيجية جديدة.
ولا شك أن هناك علاقة حاسمة بين المحيط الجغرافي وطبيعة النظام السياسي فقد تبلور هذا التقسيم تدريجيا إذ مضى الساحل في الانفتاح وبدأ جليا انه مقبل على مزيد من الانفتاح بقدر ما يلتزم بالشروط الخارجية ويوفق بين مصالحه ومصالح شركائه الجدد، في حين كان على الداخل أن يعاني العزلة موطدا في الوقت نفسه قيمة المحافظة.
التسميات
يعاربة