كوماريت (Comarit): من الشراكة المغربية-النرويجية إلى إغلاق 2012 - ثلاثة عقود من النقل البحري الحيوي بين المغرب وأوروبا

القصة الكاملة لشركة كوماريت (Comarit):

تُعدّ الشركة البحرية المغربية-النرويجية (Comarit)، التي تأسست عام 1984، فصلاً مهماً في تاريخ النقل البحري بين شمال إفريقيا وأوروبا. لم تكن مجرد شركة عبّارات، بل كانت شرياناً حيوياً يخدم حركة الأفراد والمهاجرين المغاربة والجالية الكبيرة في أوروبا، بالإضافة إلى تسهيل حركة التجارة والسياحة.


1. الإطار التأسيسي والشراكة النرويجية:

تأسست كوماريت بناءً على شراكة استراتيجية بين المغرب والنرويج، وهو ما يفسر اسمها الكامل (كومباني ماريتيمي ماروكو- نورفيجين).

  • الأهداف: كان الهدف الأساسي هو تلبية الطلب المتزايد على النقل البحري عالي الجودة والموثوقية، خصوصاً خلال مواسم الذروة (مثل عملية مرحبا الصيفية)، وتقديم خدمة تربط المغرب مباشرة بأهم الأسواق الأوروبية.
  • النمو: بفضل الخبرة النرويجية في مجال الشحن والعبّارات، والدعم الحكومي المغربي، تمكنت كوماريت من بناء أسطول جيد وتوسيع شبكة مساراتها لتشمل نقاطاً جغرافية استراتيجية.

2. الشبكة الاستراتيجية للمسارات البحرية:

تميزت كوماريت بتقديم مسارات تغطي كافة الاحتياجات الجغرافية والتجارية، مقسمة بين الطرق القصيرة والطرق الطويلة:

أ. الجسور البحرية القصيرة (إسبانيا - المغرب):

شكلت هذه الطرق العمود الفقري لعمليات الشركة، نظراً لقصر المسافة وسرعة العبور.

  1. الجزيرة الخضراء - طنجة: هو تقليدياً المسار الأكثر ازدحاماً وحيوية، حيث يربط بين الميناءين الرئيسيين للمضيق. كان هذا المسار يسير بانتظام عالٍ على مدار العام.
  2. طريفة - طنجة: يختص هذا المسار غالباً بالعبّارات السريعة، حيث يوفر رحلة أقصر وأسرع نسبياً، وهو مفضّل للمسافرين الذين يفضلون السرعة.
  3. الناظور - المرية: يخدم هذا الخط المسافرين من شرق المغرب (منطقة الريف) والمسافرين إلى جنوب شرق إسبانيا، مما يوفر بديلاً عن العبور من المضيق.

ب. الطرق الأوروبية الطويلة (فرنسا وإيطاليا - المغرب):

قدمت هذه الطرق حلولاً مباشرة للجالية المغربية في إيطاليا وفرنسا، متفادية القيادة الطويلة عبر إسبانيا:

  1. سيت (فرنسا) - طنجة: هذا المسار طويل جداً ويستغرق عدة أيام، وكان يوفر راحة كبيرة للركاب الذين يسافرون من وسط وجنوب فرنسا أو من دول أوروبية مجاورة.
  2. جنوة (إيطاليا) - طنجة: يوفر وصولاً مباشراً إلى إيطاليا، مما كان ضرورياً لتسهيل حركة التجارة والمسافرين من الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا.

3. تحول الملكية وتأثيره (2008):

في عام 2008، حدث التحول الأكبر في هيكلة كوماريت عندما قررت الأطراف النرويجية الانسحاب.

  • البيع: باعت الشركتان النرويجيتان غانجر رولف و بونيور حصتهما البالغة 55% من الأسهم.
  • القيمة: تمت الصفقة بقيمة ضخمة بلغت 700 مليون درهم مغربي (ما يعادل 490 مليون كرونة نرويجية آنذاك).
  • النتيجة: انتقلت أغلبية الملكية إلى الشريك المغربي، مما جعل كوماريت شركة مغربية خالصة من حيث الإدارة والملكية العليا، رغم احتفاظها باسمها التاريخي. لم يكن لهذا التحول تأثير فوري على العمليات، لكنه وضع عبء المسؤولية المالية والتشغيلية بالكامل على الإدارة المحلية.


4. الأزمة والتوقف النهائي (2012):

على الرغم من تاريخها الطويل وشبكة مساراتها القوية، واجهت كوماريت أزمة مالية وتشغيلية حادة أدت إلى انهيارها.

  • التحديات المالية: بدأت الشركة تواجه صعوبات في تسيير أسطولها وتسديد ديونها المتراكمة. غالبًا ما ترتبط مشاكل العبارات الكبيرة بتكاليف التشغيل الباهظة، وصيانة السفن، وأسعار الوقود.
  • تعليق العمليات: في يناير 2012، لم تتمكن الشركة من الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها، مما اضطرها إلى تعليق جميع خدماتها بشكل مفاجئ.
  • التداعيات: كان لتوقف كوماريت تداعيات واسعة، ليس فقط على موظفيها وأسطولها الذي تقطعت به السبل في موانئ أوروبية ومغربية، ولكن أيضاً على آلاف الركاب والبضائع التي كانت تعتمد على خدماتها، مما أدى إلى حالة من الفوضى والاضطراب في حركة النقل البحري بين ضفتي المتوسط في تلك الفترة.

تُعد قصة كوماريت مثالاً على كيف يمكن لشركة رائدة أن تنهار نتيجة للمصاعب المالية والتشغيلية، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية وريادتها لقطاع النقل البحري في المنطقة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال