أربع طرق لتحديد الموقع الجغرافي: تحليل مقارن بين الإحداثيات الكونية (خطوط غرينتش والاستواء)، شبكات الإحداثيات الإقليمية، والمقاربة الجغرافية (الموقع النسبي وإمكانية الرؤية)

آليات تحديد المواقع على الخريطة: دليل شامل للموقع الفلكي والجغرافي

يُعد تحديد الموقع الدقيق للظواهر الجغرافية، سواء كانت مدينة، دولة، أو حتى معلم طبيعي، مهارة أساسية في علم الخرائط والجغرافيا. هناك عدة طرق منهجية تُستخدم لهذا الغرض، تتراوح بين الإحداثيات العالمية والدلالات المحلية، ويمكن تقسيمها إلى أربع استراتيجيات رئيسية.

1. الموقع الفلكي (الموقع المطلق): خطوط الطول ودوائر العرض

تُعد هذه الطريقة هي الأكثر شمولية ودقة لتحديد الموقع المطلق لأي نقطة على سطح الكرة الأرضية، وتعتمد على نظام إحداثيات عالمي متفق عليه:

أ. خطوط الطول (Meridians):

هي خطوط وهمية ترسم على الكرة الأرضية باتجاه شمالي-جنوبي، وتمتد من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي وتلتقي جميعها عند هذين القطبين.
  • الخط الرئيسي: يُعرف بخط جرينتش (Greenwich)، ودرجته هي صفر (0°). سُمي بذلك نسبة إلى مرصد غرينتش الملكي في لندن.
  • العدد والتقسيم: يبلغ العدد الكلي لخطوط الطول 360 خطًا طوليًا، تنقسم بالتساوي إلى 180 خطًا شرق خط جرينتش و 180 خطًا غرب خط جرينتش. وتُستخدم هذه الخطوط أساسًا لتحديد التوقيت الزمني والشرق والغرب.

ب. دوائر العرض (Parallels):

هي أيضًا خطوط وهمية، لكنها ترسم موازية لخط الاستواء باتجاه شرقي-غربي، وهي لا تلتقي أبدًا.
  • الخط الرئيسي: هو خط الاستواء (Equator)، ودرجته هي صفر (0°).
  • العدد والتقسيم: يبلغ عددها 180 خطًا عرضيًا، تنقسم إلى 90 دائرة عرض شمال خط الاستواء (تُشير إلى الشمال) و 90 دائرة عرض جنوب خط الاستواء (تُشير إلى الجنوب). وتُستخدم هذه الدوائر أساسًا لتحديد المناخ وتحديد الشمال والجنوب.

تحديد الموقع:

يتم تحديد الموقع الفلكي لأي منطقة بذكر إحداثياتها الطولية (شرق أو غرب جرينتش) والعرضية (شمال أو جنوب خط الاستواء). على سبيل المثال، لتحديد موقع دولة ما، نقول إنها تقع بين خطي طول معينين ودائرتي عرض معينتين مع تحديد الاتجاهات بدقة، كما في المثال: تقع المملكة العربية السعودية بين خطي طول (40′−55∘) و (35′−34∘) درجة شرقاً وبين دائرتي عرض (32′−32∘) و (43′−15∘) درجة شمالاً.

2. شبكة الإحداثيات المحلية (The Grid System):

تُعد هذه الشبكة بديلاً عمليًا ومحليًا لنظام خطوط الطول ودوائر العرض، وهي ضرورية تحديدًا في الخرائط التفصيلية والكبيرة المقياس. ففي هذه الخرائط، قد تقع عدة ظواهر متقاربة جدًا ضمن دائرة عرض واحدة أو خط طول واحد، مما يجعل الموقع الفلكي غير كافٍ لتمييزها.

أ. آلية العمل والإنشاء:

تُنشأ شبكة الإحداثيات على النحو التالي:
  • الشرقيات (Eastings): هي خطوط متوازية ترسم على الخريطة بانتظام من الجنوب إلى الشمال. تُوضع عليها أرقام تتزايد كلما اتجهنا نحو الشرق.
  • الشماليات (Northings): هي خطوط متوازية ترسم على الخريطة بانتظام من الغرب إلى الشرق. تُوضع عليها أرقام تتزايد كلما اتجهنا نحو الشمال.
  • المربعات: يتم رسم هذه الخطوط بحيث تكون المسافة بين كل خط وآخر ثابتة، وعادةً ما تكون كيلومترًا واحدًا (1 كم)، مشكلة بذلك شبكة من المربعات لتحديد أي نقطة داخل المنطقة الممثلة بالخريطة.

ب. طريقة التحديد:

لتحديد موقع أي ظاهرة باستخدام شبكة الإحداثيات، يتم دائمًا البدء بقراءة رقم الشرقيات أولاً (المحور السيني)، ثم يليه رقم الشماليات (المحور الصادي). هذه الطريقة توفر تحديدًا دقيقًا ومحليًا لمواقع النقاط ضمن نطاق جغرافي إقليمي أو تفصيلي.


3. الموقع النسبي للظاهرة (Relative Location):

يعتمد تحديد الموقع النسبي على وصف موقع الظاهرة بناءً على علاقتها بالظواهر الجغرافية الأخرى المحيطة بها. هذا النوع من التحديد مفيد لتوضيح الأهمية الجغرافية والسياسية للمنطقة.
  • الأطر المرجعية: يمكن أن تشمل الظواهر المرجعية:
  1. القارات: مثل: تقع جمهورية مصر العربية في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا.
  2. المسطحات المائية: مثل: الموقع بالنسبة للمحيطات أو البحار أو الأنهار.
  3. الجيران والدول المتاخمة: مثل: الموقع بالنسبة للدول المجاورة لها.
  4. التضاريس الكبرى: مثل: الموقع بالنسبة لسلسلة جبلية رئيسية أو هضبة.
  • أمثلة: يتم وصف الموقع بعلاقته المباشرة، كأن نقول: المملكة العربية السعودية تقع في جنوب غرب قارة آسيا، أو أن تركيا تقع عند نقطة التقاء قارة آسيا بالقارة الأوروبية.

4. تحديد إمكانية الرؤية (Intervisibility):

تُعد هذه مهارة متقدمة في قراءة الخرائط، وهي ضرورية لتحديد ما إذا كانت هناك إمكانية للرؤية المباشرة بين نقطتين مختلفتين على سطح الأرض، مع الأخذ في الاعتبار العوائق التضاريسية.
  • الأهمية: تظهر أهمية هذه المهارة بشكل خاص في الدراسات الميدانية، وتخطيط الرحلات الاستكشافية، والعمليات العسكرية (تحديد خطوط النار)، أو حتى في تخطيط مواقع الأبراج والاتصالات.
  • الطرق المستخدمة: لتحديد إمكانية الرؤية، يتم استخدام أدوات تحليل الخرائط المتمثلة في:
  1. دراسة خطوط الكنتور (Contour Lines): وهي خطوط تصل بين النقاط المتساوية في الارتفاع، وبتحليل تقارب وتباعد هذه الخطوط يمكن تصور شكل التضاريس.
  2. رسم القطاع الطولي (Profile Drawing): يتضمن رسم مقطع عرضي للتضاريس بين النقطتين المراد دراستهما، للكشف عن المرتفعات والمنخفضات التي قد تحجب الرؤية.
  3. مقارنة الانحدارات (Slope Comparison): تحديد زاوية الانحدار بين كل نقطة على طول المسار لتحديد ما إذا كانت التضاريس ستسمح بخط رؤية مستقيم ومباشر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال