تاريخ وحضارة أحياء بيروت: دراسة شاملة للمناطق الاثني عشر، بدءاً من تأثير السلاطين المماليك (الأشرفية والمصيطبة) وصولاً إلى التطور التعليمي في رأس بيروت والتنوع في زقاق البلاط

بيروت العاصمة: الأحياء الاثنا عشر المعترف بها وتاريخها وتنوعها

تنقسم مدينة بيروت، العاصمة اللبنانية، إدارياً إلى اثني عشر حياً معترفاً به، يمثل كل منها جزءاً من النسيج التاريخي والاجتماعي للمدينة. تتنوع هذه الأحياء في أصول أسمائها، وتاريخ نشأتها، وطبيعة سكانها، مما يعكس التطور الحضري لبيروت عبر العصور.


الأحياء الشرقية والراقية:

  • الأشرفية: تُعد الأشرفية من أرقى وأشهر مناطق بيروت، وتقع على الهضبة الشرقية البيروتية. يعود تاريخ تسميتها إلى حوالي سبعمائة عام، حيث سُميت تيمناً بالسلطان المملوكي الأشرف صلاح الدين خليل. تشير بعض النصوص التاريخية إلى أنها كانت تُعرف في السابق باسم "مزرعة الأشرفية"، مما يدل على طبيعتها الزراعية الأولية قبل تحولها لمنطقة حضرية.
  • عين المريسة: يحمل هذا الحي اسماً مركباً يوضح طبيعته الجغرافية وتاريخه البحري. كلمة "عين" تشير إلى ينبوع صغير كان يصب في البحر. أما "المريسة" فأصلها يرجع إلى "الريّسة" أو "المرسة"، وهي تصغير لكلمة "مرسى"، مما يدل على أنها كانت مرسى صغيراً أو ميناءً متواضعاً يطل على البحر.
  • الرميل: يُصنف الرميل كأحد الأحياء القديمة في المدينة. بدأ هذا الحي كمنطقة شعبية بسيطة، لكنه شهد تحولاً جذرياً في طبيعته الاجتماعية والاقتصادية. خاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعادة بناء الحي، نما الرميل ليصبح اليوم منطقة أرستقراطية وسكنية مرغوبة.


الأحياء التاريخية والأصول العثمانية:

  • الباشورة: تُعتبر الباشورة من أقدم المناطق في بيروت، حيث يرتقي تاريخها إلى عصر الخليفة المنصور. يُشتق اسمها من دلالة معمارية وعسكرية، حيث تعني "البرج المتعالي" الذي يقع على مدخل القلاع والمدن. اشتهرت الباشورة بوجود المقبرة الإسلامية التاريخية فيها، والتي كانت تفصلها "نحلة السور" عن المدينة القديمة، مما يبرز دورها كمنطقة فاصلة وخارجية في العهود القديمة.
  • المصيطبة: يرجع أصل اسم هذا الحي إلى "مسطبة بيدمر". كانت هذه المنطقة برية تقع خارج أسوار بيروت القديمة. بدأت المصيطبة تستقطب السكان بعد تحرير المماليك للساحل الشامي من الصليبيين، عندما أمر السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بتحويل بيروت إلى قاعدة بحرية. استقر قادة الجيش والجند في هذه المنطقة الخالية، وتحولت مع الزمن إلى قرية بحد ذاتها قبل أن تلتحم مع التوسع العمراني لمدينة بيروت.
  • الصيفي: يشتهر حي الصيفي بكونه مزيجاً من القديم والحديث. يتميز بنزله القديمة التي تعود إلى العهدين العثماني والفرنسي، مما يعطيه طابعاً تراثياً مميزاً. وإلى جانب ذلك، يشتهر بـمطاعمه ومقاهيه ذات الطابع العربي، ومرابعه ونواديه الليلية الحديثة، مما يجعله مركزاً للحياة الاجتماعية والترفيهية.
  • زقاق البلاط: يُعد زقاق البلاط من الأحياء المستحدثة في القرن التاسع عشر، بعد أن تطورت بيروت وأصبحت عاصمة لولاية عثمانية. سُمي بذلك تيمناً بـزقاق طويل رُصفت أرضه بالبلاط. بدأ الحي بـطابع أرستقراطي، حيث قطنه البيارتة الميسورون والموظفون الحكوميون العثمانيون (من أتراك وشركس وأرمن). أما اليوم، فقد تحول ليصبح حياً شعبياً ذو طابع تراثي فريد. ويتميز هذا الحي بتنوعه العرقي والطائفي اللافت، حيث يتعايش فيه السكان ذوو الجذور العربية، والتركية، والكردية، والأرمنية، وينقسمون طائفياً بين المسلمين (سنة وشيعة) والمسيحيين (روم وأرمن أرثوذكس)، مع وجود تاريخي لأسر يهودية.


الأحياء ذات الأصول المهنية والجغرافية:

  • المزرعة: سُمي هذا الحي تيمناً بالمزارع التي كانت قائمة به قديماً، حيث كان يشتهر بزراعة الحمضيات تحديداً، وأبرزها الليمون والبرتقال. يعكس اسمه الطبيعة الزراعية التي سادت المنطقة قبل تحولها إلى منطقة سكنية.
  • المرفأ: سُمي الحي تيمناً بمرفأ المدينة القديم الذي ما زال قائماً في هذه المنطقة، مما يؤكد دوره الحيوي كبوابة بيروت البحرية وشريانها التجاري.
  • ميناء الحصن: الأصل القديم لهذا الاسم كان "ميناء الحسن"، والذي حُرف لاحقاً مع الوقت ليصبح "ميناء الحصن" (حيث تُلفظ السين صاداً). يُحتمل أن الحي حمل هذا الاسم لوجود برج حصن بيروت في المنطقة في قديم الزمان، مما يشير إلى أهميته الدفاعية السابقة.
  • المدوّر: يرجع أصل تسمية هذا الحي بشكل بسيط ومباشر إلى إحدى العائلات البيروتية التي سكنت أو تميزت في هذه المنطقة.


رأس بيروت والتحول الحضري:

  • رأس بيروت: تعود التسمية إلى التكوين الجغرافي للمنطقة، حيث أن القسم الذي يدخل البحر يشبه الرأس في تكوينه. كانت رأس بيروت في الأصل منطقة مقفرة يقطنها عدد قليل من المزارعين الذين تعاطوا زراعة التين والصبار. حدث التحول الحضري الكبير للمنطقة بعد عام 1865م، عندما تم بناء الكلية السورية الإنجيلية (التي أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت لاحقاً) وعدداً من المعاهد والكليات الأجنبية الأخرى. هذا الأمر استقطب البيارتة القدماء للاستقرار فيها، كما جذبت لاحقاً عدداً من الأجانب الذين اختلطوا مع السكان الأصليين، مما جعلها منطقة ذات طابع كوزموبوليتاني (عالمي) ومثقف.

التقسيم العقاري ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين:

تنقسم هذه الأحياء الاثنا عشر مجتمعة إلى مناطق عقارية متعددة لأغراض إدارية وتنظيمية.

من المهم ملاحظة أن بيروت الكبرى تضم أيضاً تجمعات سكانية ذات خصوصية، وهي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تقع جميعها في القسم الجنوبي من المدينة. تقع ثلاثة من المخيمات الرسمية الاثني عشر في لبنان داخل نطاق بيروت وضواحيها، وهي:

  • مخيم برج البراجنة.
  • مخيم شاتيلا.
  • مخيم مار الياس.

بالإضافة إلى هذه المخيمات الرسمية، يقع أحد المخيمات غير الرسمية الخمسة عشر في لبنان، وهو مخيم صبرا، داخل بيروت وبالقرب من مخيم شاتيلا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال