سياسات العمل والسعودة: منظور مستقبلي.. تبني توجهات توطين الوظائف على أسس منطقية للتقليل من الآثار السلبية على مستويات الأداء ومردودات الاستثمار

سياسات العمل والسعودة: منظور مستقبلي
معالي الأستاذ/ عبدالرحمن بن عبدالمحسن العبدالقادر - نائب وزير الخدمة المدنية
تستعرض الورقة في مقدمتها الظروف التي نشأت فيها الحاجة للقوى العاملة غير السعودية منذ قيام الدولة وتحسن الظروف الاقتصادية نتيجة تسويق البترول وما صاحب ذلك من التركيز على نشر خدمات التعليم والصحة تدريجياً متطلباتهما من العمالة المتخصصة مقابل ضآلة العمالة الوطنية المناسبة وتلاحق خطط التنمية وتوسع برامجها ومستلزماتها من العمالة، وما صاحب ذلك من الاتجاه لاستقدام العمالة غير الوطنية بأعداد تتناسب واحتياجات كل مرحلة زمنية إلى أن بلغت العمالة غير الوطنية ذروتها عام (1405هـ-1985م) بنسبة (37%) من مجموع العاملين بالخدمة المدنية.
وتشير الورقة أيضاً إلى أن إحلال المواطن محل غيره لم يأت مصادفة أو وليد حماس عاطفي بل هو تطبيق لسياسة مرسومة وتوجه موثق بنظام الخدمة المدنية، وأن ما أدى إلى إطالة أمد الإحلال بصفة عامة وليس في الخدمة المدنية راجع إلى عدم تطابق مخرجات التعليم والتدريب الفصلي مع الاحتياجات الفعلية من القوى العاملة.
وتورد الورقة المسببات المؤدية لذلك، عند استعراضها لانعكاسات النمو السكاني والتحول الديموغرافي على العرض الكلي من العمالة مقارنة باحتياجات البلاد في القطاعين العام والخاص، مشيرة إلى غياب القدر الكافي من المعلومات الدقيقة وعدم استقرار التنظيم الإداري لبعض الأجهزة الحكومية وكذا مؤسسات القطاع الأهلي التي تقوم بتنفيذ المشروعات نتيجة تسارع برامج التنمية مما شاب تقدير الحاجة الفعلية للعمالة، في المجالات التي حظيت بأولوية في التنمية، بشيء من عدم الدقة إضافة إلى ذلك نمو التعليم والتدريب وفق تصورات أغلبها افتراضية إلى جانب عدم توافق متطلبات صاحب العمل بالقطاع الخاص بالذات، واحتياجات طالبي العمل الذين تتوجه نسبة منهم للعمل لدى مؤسسات خاصة يسند إليها عن طريق العقود بعض أعمال التشغيل والصيانة بجانب تعدد الجهات المسؤولة عن القوى العاملة ومحدودية التنسيق بينها وغياب مصطلحات مهنية وإحصائية متفق على استخدامها، وما تؤكد عليه الورقة من ضرورة ضبط حجم القوى العاملة عند الحد الحقيقي للحاجة وأهمية ضبط جودة نوعية تأهيل المستقدم من القوى العاملة.
مع عدم إغفال الورقة للدور الهام الذي تضطلع به وزارة الخدمة المدنية تجاه المساهمة في تطوير الأداء الكلي لأجهزة الخدمة المدنية من خلال العنصر البشري، فإن الورقة تطرح مفهوماً شاملاً للسعودة وهدفين رئيسين لها موردة أبرز النصوص النظامية التي تحكم عملية شغل الوظيفة بغير السعودي في الخدمة المدنية، والأوامر السامية والقرارات المنظمة لعملية السعودة، وفيما يخص التوجهات الرئيسية لوزارة الخدمة المدنية فيما يتعلق بالسعودة أشارت الورقة إلى أن توطين الوظائف مسؤولية اجتماعية واقتصادية وإنسانية مع أن إسناد العمل للمواطن مشروط بتأهيله باعتبار أن تراجع الأعمال في أساليب أدائها له أضرار جسيمة على البلاد وما يستوجبه ذلك من حرص على جعل برامج إعداد القوى العاملة موافقة للحاجة من حيث المجال والعدد والمستوى والرغبة المكانية. وتشير الورقة إلى أهمية أن تبني توجهات توطين الوظائف على أسس منطقية للتقليل من الآثار السلبية على مستويات الأداء ومردودات الاستثمار.
ومع الإشارة لمراحل رحلة التوطين، تتطرق الورقة لدور التدريب على رأس العمل والجوانب التنظيمية للأعمال كعنصرين هامين لعملية الإحلال. كما تطرح الورقة بعض الإجراءات التنفيذية التي حددتها وزارة الخدمة المدنية في ضوء الأدوات النظامية لتنظيم عملية الإحلال مع إبراز جهود الوزارة في مجال السعودة خلال الخمس السنوات الماضية، كإعداد دليل الإجراءات التنفيذية لتطبيق قرار مجلس الوزراء رقم (74) وتاريخ 4/4/1419هـ وتفعيل قرار مجلس الوزراء (175) وتاريخ 25/8/1419هـ والعمل على إنجاز مشروع إعداد مواصفات فئات الوظائف المدنية البالغة (3.713) فئة ضمن خطة مرحلية تنتهي بنهاية عام (1427هـ – 2006م) وتشير الورقة إلى أن من ثمار هذه الجهود انخفاض نسبة غير السعوديين من مجموع القوى العاملة في الخدمة المدنية إلى 11% يستحوذ قطاعا الخدمات الصحية والتعليمية على ما نسبته 80% من مجموع العمالة غير السعودية، وترجع الورقة ذلك إلى عدم مواكبة مخرجات التعليم لمتطلبات الحاجة المتزايدة في بعض التخصصات وتزايد برامج التنمية في هذين المجالين.
وتخصص الورقة جزءاً خاصاً بأهم المعوقات التي تواجه عملية السعودة مشيرة إلى حرص الدولة، ممثلة بأجهزتها التنظيمية والتنفيذية على تلمس الآثار السلبية التي تبرز بعض المؤشرات احتمال ظهورها جراء التطبيق الكامل لبرامج السعودة لاتخاذ التدابير الكفيلة بحصرها في أضيق نطاق، مما أدى إلى اتباع أسلوب تدريجي يتصف بالمرونة والبعد عن الحماس العاطفي الذي قد يؤثر سلباً على مستويات الأداء والخدمات المقدمة للمواطن بما يتوافق مع مسيرة تنفيذ عملية الإحلال وتحديد أولوياتها. وتقسم الورقة مشكلات تطبيق توجهات الإحلال إلى مشكلات تنموية تعزى لتطور الحاجة من القوى العاملة وتبدلها والتوسع الكبير والسريع في بعض القطاعات كالخدمات الصحية، والتعليمية والصناعية كذلك الامتداد الجغرافي للمملكة وبروز مجالات عمل جديدة والنمو المتسارع لدور القطاع الخاص مما جعله منافساً قوياً للأجهزة الحكومية في شأن استقطاب خريجي بعض التخصصات. كما تورد الورقة عدداً من المشكلات الوظيفية كندرة توفر المواطن المؤهل لأداء بعض الأعمال ومتطلبات بعض الوظائف لمستويات محددة من المهارات والخبرات لا تتوفر عادة لدى حديثي التخرج، كذلك أشارت الورقة إلى عدم إعطاء التدريب على رأس العمل ما يستحقه من عناية لعدم وجود برنامج تطوير مهني للملتحقين بالوظيفة العامة بالرغم من سعي وزارة الخدمة المدنية لترسيخ ذلك منذ عام 1405هـ – 1985م إضافة إلى ضعف دور غير السعوديين في عملية التدريب على رأس العمل بسبب غياب البرامج الخاصة بذلك وعدم إلزامهم بالقيام بهذا الدور.
وتشير الورقة من جانب آخر إلى عدد من المشكلات الاجتماعية التي تواجه عملية الإحلال كعزوف بعض الخريجين عن قبول العمل في بعض المناطق خصوصاً النائية أو عدم قبولهم الالتحاق ببعض الأعمال والمهن والميل النسبي لدى بعض الملتحقين بالجامعات إلى الاتجاه نحو التخصصات النظرية.
وتطرح الورقة، قبل الخاتمة، تصور وزارة الخدمة المدنية حول مواءمة الاحتياجات وخريجي الجامعات مستقبلاً من خلال نظرتها للتعليم الجامعي بمختلف فروع المعرفة باعتباره يقدم تخصصات بمعارف تعد لمزاولة أعمال متخصصة كالطب والهندسة والمحاسبة والإدارة وتخصصات تعد للتعليم وتوظيفهم تحكمه الحاجة الفعلية وتخصصات بمعارف مختلفة يتم توجيه خريجيها للمجـال الذي تشكل خلفيتهم العلميـة قاعـدة معرفية مناسبة لتلقي التدريب المتخصص في المعاهد أو على رأس العمل، مع الإشارة إلى أن الدراسة بالجامعة ستكون أكثر واقعية كلما اطلع معدوا برامجها على أساليب العمل في الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص خصوصاً في مجالات يكون الربط فيها بين النظرية والواقع أمراً مهما ًمثل الإدارة.
وعوضاً عن طرح توصيات محددة تسرد في آخر الورقة، تكتفي الورقة بالطرح المعتمد على إيضاح التوجهات الرئيسية الواردة في ثنايا الحديث عن كل محور من المحاور التي تم تناولها، مفسحة المجال أمام الإخوة المشاركين لإثراء الموضوع بالحوار حول هذه التوجهات واستخلاص الآليات المساعدة على تحقيق الأهداف المنشودة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال