خصائص الأسرة الريفية: تحليل شامل
تتميز الأسرة في المجتمع الريفي بخصائص فريدة تختلف بشكل كبير عن نظيرتها في الحضر، وهذه الخصائص تتشابك لتشكل نسيجاً اجتماعياً واقتصادياً مميزاً.
أولاً: الخصائص الديموغرافية والاقتصادية
تتجلى العلاقة بين حجم الأسرة وطبيعة العمل الزراعي في الريف على النحو التالي:
- ضخامة حجم العائلة وتعدد الروابط القرابية: تتميز الأسرة الريفية بكبر حجمها، حيث لا تقتصر على النواة الصغيرة (الأب والأم والأطفال)، بل تمتد لتشمل الأجداد والأعمام والأقارب، مشكّلة ما يُعرف بـ الأسرة الممتدة. هذه الروابط القرابية تكون قوية ومتشعبة وتلعب دوراً محورياً في الحياة اليومية، حيث يوفر هذا التكتل العائلي شبكة دعم اجتماعي واقتصادي متينة.
- الدافع الاقتصادي للإنجاب (كثرة الأيدي العاملة): يُعدّ العمل الزراعي هو النشاط الاقتصادي الأساسي في الريف، ويتطلب هذا العمل جهداً بدنياً كبيراً وكثرة في الأيدي العاملة لإنجاز المهام الموسمية مثل الحصاد والزراعة والرعاية الحيوانية. لذلك، يُنظر إلى الأطفال على أنهم رصيد اقتصادي ومصدر مستقبلي لقوة العمل، مما يُشجع على زيادة معدلات الإنجاب. كل فرد، حتى الأطفال، يساهم في تحمل الأعباء الاقتصادية للأسرة والمزرعة.
ثانياً: الخصائص المتعلقة بالبناء الاجتماعي ومكانة الأفراد
يتسم البناء الاجتماعي للأسرة الريفية بهيكل سلطوي وقيمي محدد:
- النظام الأبوي والسلطة الذكورية: يتميز البناء الاجتماعي بكونه نظاماً أبوياً (بطريركياً). هذا يعني أن الذكور يحتلون مركزاً أعلى في الهيكل العائلي والمجتمعي، وتتركز السلطة وصنع القرار في يد الأب أو كبير العائلة (الجد). هذا النظام غالبًا ما يكون وراثياً، حيث تنتقل السلطة والمسؤولية عن إدارة شؤون الأسرة والممتلكات (خاصة الأرض الزراعية) من الأب إلى الابن الأكبر.
- محدودية مكانة المرأة: غالباً ما تكون مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع الريفي مقيدة أو محدودة مقارنة بالرجل. دورها الأساسي يتمحور تقليدياً حول الإنجاب ورعاية المنزل والمساعدة في الأعمال الزراعية الخفيفة. قد تكون فرصها في التعليم والعمل خارج نطاق الزراعة ضئيلة، وتخضع قراراتها عادة لسلطة الذكور في الأسرة.
- انتشار نمط الأسرة الممتدة (العائلة): كما ذُكر، يعد نمط الأسرة الممتدة هو السائد. هذا النمط له ميزة اجتماعية هامة تتمثل في التقليل من عبء التنشئة الاجتماعية. فمسؤولية تربية الأبناء وتوجيههم لا تقع فقط على عاتق الوالدين، بل تتوزع على جميع أفراد العائلة الممتدة (الأجداد، الأعمام، العمات)، مما يخلق بيئة تنشئة جماعية تعزز من قيم التعاون والتكافل.
ثالثاً: القيم والمعتقدات السائدة
تتمسك الأسرة الريفية بمجموعة من القيم التقليدية التي تعمل كموجه لسلوك الأفراد في مختلف جوانب حياتهم:
- الزواج المبكر: تنتشر قيمة الزواج المبكر بين الأبناء والبنات في الريف. بالنسبة للإناث، يُنظر إليه على أنه استقرار وحماية، بينما بالنسبة للذكور يُعد وسيلة لتوفير أيدي عاملة جديدة وزيادة النسل، مما يضمن استمرار العائلة والعمل في الأرض.
- قيم العمل بالأرض والتعلق بها: تُعد الأرض الزراعية أكثر من مجرد مصدر رزق؛ إنها جزء من الهوية والتراث. لذلك، تسود قيمة العمل المباشر بالأرض وتقديره، والتمسك بملكية الأرض والمحافظة عليها جيلاً بعد جيل.
- التفاضل في التعليم (تفضيل الذكور): غالباً ما يكون هناك تفضيل لتعليم الذكور على الإناث، خاصة في المراحل التعليمية العالية. يُنظر إلى تعليم الذكر على أنه استثمار أكثر أهمية لأنه سيكون العائل المستقبلي للأسرة وربما يحتاج التعليم لإدارة شؤون المزرعة والتفاعل مع السوق، بينما قد يُنظر إلى تعليم الأنثى على أنه ثانوي لدورها المستقبلي في المنزل.