الهضاب الأطلنطية في أمريكا الجنوبية: توسع وتعمق في الخصائص
تشكل الهضاب الأطلنطية، أو الهضاب الشرقية، في أمريكا الجنوبية (المعروفة جيولوجياً بالدروع القارية القديمة) جزءاً أساسياً من جغرافية القارة، وهي تتباين بشكل كبير في الحجم، الارتفاع، والمناخ، وتلعب دوراً حيوياً في توزيع المياه وتنوع الحياة النباتية والحيوانية. هذه الهضاب محاطة بشرائط ضيقة من السهول الساحلية التي تستغلها الكثافة السكانية العالية، بينما تشكل الهضاب نفسها مناطق داخلية ذات أهمية اقتصادية وبيئية كبرى.
1. هضبة جيانا (Guiana Highlands):
تقع هضبة جيانا في أقصى الشمال، وتُعد واحدة من أكثر التكوينات الجيولوجية القديمة والمحافظة على طبيعتها البكر في العالم.
الموقع والامتداد: تمتد الهضبة عبر شمال حوض الأمازون، وتشمل أراضي واسعة في جنوب فنزويلا، وغيانا، وسورينام، وغيانا الفرنسية، وشمال البرازيل (ولاية رورايما وأمابا).
الجيولوجيا والتضاريس: تتميز بكونها درعاً قارية قديمة (Precambrian Shield)، مما يعني أن صخورها تشكلت قبل مليارات السنين. أبرز سماتها التضاريسية هي جبال التيبوي (Tepuis). هذه التكوينات هي جبال رملية شاهقة ذات قمم مسطحة وجوانب عمودية تقريباً، وقد أدت عزلتها إلى تطور أنواع نباتية وحيوانية مستوطنة وفريدة.
- أهمية المياه: الهضبة هي منبع لعدد من الأنهار الرئيسية، بما في ذلك روافد مهمة لنهر الأمازون وأورينوكو. كما أنها موطن لـ شلالات أنجل (Angel Falls)، وهي أعلى شلالات متواصلة في العالم، مما يعكس الارتفاع الشاهق لبعض أجزائها.
- القمم البارزة: جبل رورايما يظل الرمز الأبرز لهذه الهضبة.
2. هضبة البرازيل (Brazilian Highlands):
هضبة البرازيل هي أضخم وأكثر الهضاب تأثيراً في جغرافية واقتصاد أمريكا الجنوبية، وتمثل العمود الفقري للجزء الأكبر من البرازيل.
- المساحة والانتشار: تغطي ما يقرب من نصف مساحة البرازيل، وتمتد جنوباً وغرباً لتؤثر في أجزاء من الأرجنتين والأوروغواي وباراغواي، وتُعرف أحياناً في الأجزاء الداخلية باسم هضبة ماتو غروسو.
- التنوع التضاريسي: هي ليست هضبة موحدة، بل تتكون من مزيج معقد من الهضاب الفرعية المتموجة، والسلاسل الجبلية القديمة (مثل سيرا دو مار وسيرا دا مانتيكيرا)، والأحواض النهرية. هذا التنوع يخلق اختلافات مناخية واضحة، من المناطق شبه الاستوائية الرطبة إلى السافانا الجافة.
الأهمية الاقتصادية والزراعية:
- الموارد المعدنية: تُعد الهضبة البرازيلية غنية جداً بالمعادن، خاصة خام الحديد والمنغنيز والذهب، مما جعلها مركزاً للتعدين منذ عصور.
- الزراعة: تُعتبر مناطق السافانا في الهضبة (السيرادو) من أهم مناطق إنتاج فول الصويا والذرة والبن في العالم، بفضل التربة الغنية والمناخ المناسب.
- المياه والطاقة: تنبع منها أنهار بالغة الأهمية مثل نهر بارانا (الذي يغذي أكبر مشاريع الطاقة الكهرومائية) ونهر ساو فرانسيسكو.
- القمم الشاهقة: تظهر أعلى القمم في الجنوب الشرقي، مثل قمة بانديرا (Pico da Bandeira) وقمة نيبلينو (Pico da Neblina - الأعلى في البرازيل)، والتي تعكس الارتفاع النسبي للسلاسل الجبلية ضمن هذه الهضبة الواسعة.
3. هضبة بتاجونيا (Patagonian Plateau):
تمثل هضبة بتاجونيا المنطقة الأكثر جفافاً وبرودة بين الهضاب الشرقية، وهي تقع في أقصى الجنوب.
- الموقع والمناخ: تحتل الجزء الجنوبي من الأرجنتين، محصورة بين جبال الأنديز في الغرب والمحيط الأطلسي في الشرق. تقع بشكل كبير في منطقة ظل المطر لجبال الأنديز، مما يجعل مناخها بارداً، وجافاً، وعاصفاً، ويغلب عليها الغطاء النباتي الشجيري القصير.
- الارتفاع والانحدار: تتميز بأنها الأدنى ارتفاعاً بشكل عام، حيث يتراوح ارتفاعها بين 300 و 900 متر (1000-3000 قدم) فوق سطح البحر. وهي تنحدر في سلسلة من المدرجات أو المصاطب الجافة من الغرب إلى الشرق نحو المحيط الأطلسي.
- الجيولوجيا والتكوين: تتكون بشكل أساسي من طبقات رسوبية تغطي تكوينات صخرية قديمة، ويظهر بها نشاط بركاني قديم وكميات كبيرة من الحصى والرواسب.
- النشاط الاقتصادي: على الرغم من قسوة مناخها، تُعد بتاجونيا منطقة رئيسية لـ تربية الأغنام (صناعة الصوف) ولديها موارد طبيعية مهمة مثل النفط والغاز الطبيعي، خاصة في المناطق الساحلية.
خلاصة:
في الختام، تُشكل هذه الهضاب الثلاثة نظاماً معقداً من الدروع القارية القديمة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من هوية أمريكا الجنوبية. هضبة جيانا تمثل الغابة المطيرة البكر، وهضبة البرازيل هي المركز الاقتصادي والزراعي الحيوي، وهضبة بتاجونيا هي المنطقة الباردة والجافة ذات الأهمية الرعوية وموارد الطاقة.