الحركات الإسلامية في السنغال.. سقوط مدينة تمبكتو الشهيرة بالعلم على يد القائد العسكري المغربي جودر باشا

هناك حقيقة لا مناص من ذكرها: وهي أن الإسلام لم يتم انتشاره في السنغال بفعل أعمال عسكرية، وإنما عمّ هذا البلد بفضل تضافر عدة عوامل سبقت الإشارة إلى بعضها، ولا ينبغي لأي دارس بجدية أن يعبأ بادعاء (دنشام ) [DESCHAMPS ] القائل: "إنَّ الإسلام لجأ أحياناً إلى الغزو الوحشي-كذا-وقد جرّ تعصب وكبرياء الفاتحين إلى احتقار الوثنيين وإخلاء سبيلهم ليعيشوا، وتارة إلى استعبادهم، وحيناً آخر إلى ترك الخيار لهم بين الإسلام والموت".

على أنَّ التاريخ يفيد هذه المزاعم بشهادة المستعمرين أنفسهم الذين اضطروا إلى الاعتراف بأهمية وعدالة الحركات الإسلامية" أعتقد- يقول "لا براد- أن الثورة الماضية باسم الحضارة الإسلامية ضد الطغيان الأعمى ووحشية "تيدو" ستكون مقبولة لدى شعب "ولوف" الخاضع للحيف".

كانت هذه الوحشية التي يتحدث عنها "بيني لا براد" أحد العوامل التي تسببت في قيام ثورات المسلمين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين.

ومن قدر الله عزّ وجل أن تلك الحركات الإسلامية على اختلاف أرضية انطلاقاتها ظهرت في فترات تاريخية متقاربة نسبياًّ، واستغرقت مدى قرن ونصف القرن، وبرزت جميعها بعد انحلال وانقراض الإمبراطوريات: غانا ومالي وسنغاي بغربي أفريقيا، وبعد انقطاع الصلات بين ضفتي الصحراء الكبرى إثر اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وتحول النشاط التجاري عن بعض أطراف البحر الأبيض المتوسط، مما ساهم إلى حدّ ما في زعزعة دول شمالي أفريقيا، ونجم عن هذا الوضع انصراف الأنظار عن ذهب (بلاد السودان) أي: غربي أفريقيا.

ومما زاد الطين بلة أن تزامن ذلك كلّه مع سقوط مدينة "تمبكتو" الشهيرة بالعلم على يد القائد العسكري المغربي "جودر باشا" والباشوات الذين حكموا هذه المدينة من بعده، وكانت سيطرتهم على "تمبكتو" عامل تقهقر حضاري، وتدهور اقتصادي، وتأخر ثقافي، لما كان لـ"تمبكتو" من كركز إشعاعي هام، ولكونها همزة وصل بين شماليّ أفريقيا وغربيّها؛ كما كانت محط رجال العلم، وموطن علماء كبار من سود وبيض، ومنار هداية يقصدها طلبة العلم من كل حدب وصوب.

ولما استولى عليها"جودر" ورجاله حوَّلوها إلى شبح مخيف، يعيث فيها العسكر فساداً، ويفشون فيها الفجور؛ الأمر الذي جعل الحركة العلمية والثقافية تتردّى وتتدني، واصطدمت طغمة التاشا "جودر" بعلماء المدينة فأبعدت بعضهم، واضطهدت بعضهم الآخر، الأمر الذي أدّى إلى اتساع رقعة الانقطاع بين شمالي وجنوبي الصحراء الكبرى؛ وكان لذلك كله انعكاسات وانتكاسات على الساحة الإسلامية في السنغال، ثم تزامن ظهور المغاربة في مملكة سنغاي مع تقهقر الدعوة الإسلامية بغربي القارة الأفريقية، لأن هذه الدولة كانت قاعدة قوية لنشر الإسلام حيث نشطت فيها الحركة الإسلامية تحت رعايتها.

أضف إلى ما سبق: تحوّل الأنظار عن بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط بفعل تصاعد القوى الصناعية الناهضة بأوروبا؛ التي أصبحت تتطلع إلى كشف أسواق جديدة توزع فيها منتجاتها الصناعية، ولتضمن توفر المواد الخام لمصانعها، وفي الوقت ذاته كانت ترنوبنهم إلى أراضي ما وراء البحار للاستيلاء علنها، واستغلال ثرواتها الطبيعية، واستعباد شعوبها.

وكانت مملكة سنغاي تستقطب شعوباً عديدة من غربي أفريقيا، وتسيطر على أراضٍ شاسعة، وبعد انقراضها تفككت إلى إمارات ومشيخات صغيرة لا يضم بعضها إلاَّ رقعة من الأرض يسيرة، فتحولت غالبية حكوماتها إلى أنظمة استبدادية، تمارس ضد شعوبها أبشع صور الطغيان، فحينئذٍ ازداد المسلمين بالظلم، ونما إحساسهم بالاضطهاد الذي أصبحوا موضعاً له، فقاموا بمناهضته، وزاد من مقاومتهم له أنهم ينتمون إلى عالم يغير عالم الأرواحية والاستبداد، وكان لا بد والحالة هذه من تغيير الوضع لصالح الجماعة الإسلامية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال