اللجنة العربية العليا: محاولة لتوحيد القرار السياسي الفلسطيني ودورها في الإشراف على الثورة الفلسطينية الكبرى 1936

اللجنة العربية العليا في فلسطين:

تعتبر اللجنة العربية العليا من أبرز الهيئات السياسية التي تشكلت في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، ولعبت دورًا محوريًا في توجيه المقاومة الفلسطينية. لم تكن مجرد تجمع للأحزاب، بل كانت محاولة لتوحيد الصف الفلسطيني في فترة حرجة.


تأسيس اللجنة وتوحيد الصف:

تأسست اللجنة في أكتوبر عام 1935، تحت اسم لجنة الأحزاب الفلسطينية، ثم عُرفت لاحقًا باسم اللجنة العربية العليا اعتبارًا من 25 أبريل 1936. جاء تشكيلها في وقت كانت فيه الأوضاع في فلسطين على وشك الانفجار، حيث كانت الاستعدادات للثورة الفلسطينية الكبرى قد بلغت أوجها. كان الهدف الأساسي من إنشائها هو توحيد القرار السياسي الفلسطيني تحت مظلة واحدة، وضمّت في عضويتها ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية الفاعلة آنذاك.


دور اللجنة في الثورة الفلسطينية الكبرى:

لعبت اللجنة دورًا أساسيًا في الإشراف على الإضراب الكبير والثورة الفلسطينية التي بدأت في عام 1936. وقد انطلقت اللجنة من هدف محدد وواضح لمواجهة السياسات البريطانية والصهيونية في فلسطين. حددت اللجنة أهداف الثورة في أربع نقاط رئيسية:

  • وقف الهجرة اليهودية: كان هذا المطلب هو الأكثر إلحاحًا، حيث كانت الهجرة اليهودية المكثفة تهدد التركيبة الديموغرافية لفلسطين.
  • منع بيع الأراضي لليهود: لمنع المزيد من السيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية.
  • تشكيل حكومة وطنية: تكون مسؤولة أمام مجلس تمثيلي، وهذا يعكس المطالبة بالاستقلال والحكم الذاتي.
  • مواصلة الإضراب: كأداة ضغط حتى يتم تحقيق المطالب المذكورة.

ولمواصلة هذا الجهد، شكلت اللجنة العربية العليا لجنة مركزية للجهاد برئاسة الحاج أمين الحسيني، واتخذت من بيروت مقرًا لها، مما يؤكد على أهمية العمل الموحد.


تحديات داخلية ومواقف سياسية:

واجهت اللجنة تحديات داخلية أدت إلى انسحاب بعض أعضائها. ففي 3 يوليو 1937، انسحب ممثلا حزب الدفاع الوطني، وهما راغب النشاشيبي ويعقوب فراج، من اللجنة، مما أضعف من وحدتها السياسية. كما كان للجنة مواقف حاسمة من السياسات البريطانية، حيث رفضت ما عُرف بـ"الكتاب الأبيض" في 7 مايو 1937، الذي اعتبرته غير كافٍ لتحقيق المطالب الفلسطينية.


حل اللجنة ثم إعادة تشكيلها:

ردًا على دور اللجنة الفعال في تأجيج الثورة، أصدرت سلطات الانتداب البريطاني قرارًا بحل اللجنة العربية العليا في عام 1937، واعتقال بعض أعضائها. ظلت اللجنة محظورة حتى عام 1945، عندما أعيد تشكيلها بضغط من الجامعة العربية. إلا أن عودتها لم تكن موفقة، حيث كانت عاجزة عن أداء دورها بفعالية، ولم تستمر طويلًا.

في 25 مارس 1946، عاد جمال الحسيني من منفاه، وأعاد تشكيل اللجنة لتضم تسعة وعشرين عضوًا، وكان من بينهم سبعة أعضاء من الحزب العربي الفلسطيني، وعشرة من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى الأعضاء المستقلين. وقد ظل منصب الرئيس شاغرًا بسبب اعتقال الحاج أمين الحسيني. لكن هذا التشكيل الجديد لم يلق قبولًا لدى الأحزاب العربية الأخرى، التي رفضته وانسحبت لتشكل الجبهة العربية العليا، مما أدى إلى النهاية الرسمية لصيغة اللجنة العربية العليا في يونيو 1946.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال