الحزب الشيوعي الفلسطيني.. المشاركة في ثورة 1936 والدفاع عن فلسطين ووتعرض أبنائه للاعتقال والتعذيب

كان لانتصار الثورة الاشتراكية العالمية، عام 1917، في روسيا، أثره في انطلاقة الأحزاب الشيوعية في كلِّ بلدان العالم، بما فيها فلسطين، حيث اعترفت الأممية الشيوعية، عام 1924، بـ"الحزب الشيوعي الفلسطيني"، الذي ضمّ ثوريين من اليهود والعرب، لتمثيل طليعة النضال العمالي، العربي واليهودي، في فلسطين، ولتقديم كافة أشكال الدعم للسكان العرب، في مناضلتهم الاحتلال البريطاني- الصهيوني (البرجوازية اليهودية).
يقول أمنون كوهين: "إن أول ظهور علني للشيوعيين الفلسطينيين، كان في نهاية الأربعينيات، بعد النكبة، عام 1948، وذلك في صفوف اللاجئين". وسعى الحزب إلى استغلال ظاهرة البطالة بين صفوف العمال اليهود، وإقناعهم بأن مشروع الصهيونية، لم يحقق طموحاتهم، وأن ذلك يتطلب البحث عن مخرج آخر، للتحرر من نير الاضطهاد، القومي والاجتماعي. كما حاول الحزب الاستفادة من تشجيع الحكومة السوفيتية اليهود على استيطان مناطق زراعية، في الاتحاد السوفيتي، أُعِدَّت لسكناهم وعملهم، فنشط في إقناع الموجودين منهم في فلسطين بأن ما حققه رفاقهم في المناطق السوفيتية، خلال عامَين، لم تستطع الحركة الصهيونية تحقيقه لهم، خلال خمسين عاماً، ما حمل كثيراً منهم على العودة إلى الاتحاد السوفيتي. لقد عمدت السلطات البريطانية، عام 1931، إلى اعتقال العديد من أعضاء الحزب وقيادييه، وإبعاد سبعة عشر منهم إلى خارج البلاد.
شارك الحزب في ثورة 1936، ودافع عن فلسطين، وتعرض أبناؤه للاعتقال والتعذيب. غير أنه انقسم، في أواخر سبتمبر/ أيلول1943، قسمَين يهودي وعربي. فأنشأ العرب "عصبة التحرر الوطني في فلسطين"، لتكون تنظيماً وطنياً، تحررياً، يسارياً، اقتصرت عضويته عليهم، وفي طليعتهم الشيوعيون العرب الفلسطينيون. وقد أكدت العصبة "بأنها جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية العربية الفلسطينية. كما أكدت دورها التحرري، المعادي للإمبريالية والصهيونية".
وافق الحزب على قرار هيئة الأمم المتحدة، عام 1947، الداعي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتَين. ولم يستجب للحكومات العربية رغبتها في مغادرة الفلسطينيين بيوتهم وأرضهم، وعارض قرارات مؤتمر أريحا، القاضية بضم القسم العربي من فلسطين، إلى شرقي الأردن، وتوحيدهما في المملكة الأردنية الهاشمية تحت تاج الملك عبد الله.
تعرّض الحزب الشيوعي الفلسطيني لِمدّ وجزْر، حددتهما الأوضاع، السياسية والاجتماعية، الناجمة عن ضم الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية) إلى الأردن، ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية. ففي الأردن، واجه الشيوعيون شتى أساليب الملاحقة والمطاردة والاعتقال والتعذيب، من قبل السلطات الأردنية آنذاك. ولكنهم اضطروا في منتصف الخمسينيات، إلى الموافقة على ضم الضفة الغربية إلى إمارة شرقي الأردن، إذ اتهمهم نظامها بالخيانة، لموافقتهم على قرار التقسيم، ودعوتهم إلى سلام مع اليهود.
أُعلن تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني في أغسطس /آب 1953، في قطاع غزة، حيث عقد اجتماع في بيارة خالد شراب، حضره كلٌّ من سمير البرقوني، ومعين بسيسو، وخالد شراب، ومحمد نصر، وعُرِف بالمؤتمر الأول للحزب الشيوعي الفلسطيني. وفي هذا الاجتماع، كُوِّنت اللجنة المركزية الأولى، من الأعضاء الحاضرين، وانتُخب معين بسيسو سكرتيراً عاماً لها. وعقد الحزب مؤتمره الثاني، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، في بيارة فايز الوحيدي. وحضره معين بسيسو، وسمير البرقوني، ومحمود علي نصر، وعبد الرحمن عوض الله، وأحمد خليل الحاج، وفايز الوحيدي، وأحمد حسن فليونه، وإبراهيم محمد الدغمة، وزهير الريس، وعبد المجيد كحيل. وقد انتخب معين بسيسو، للمرة الثانية، سكرتيراً عاماً للجنة المركزية.
ولم يكن الشيوعيون، في قطاع غزة بأحظ من إخوانهم في الأردن، وخاصة في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، بيد أن معاناتهم، كانت أقلّ حدّة. وعلى الرغم ممّا لاقاه الشيوعيون الفلسطينيون، في قطاع غزة، من اعتقال، فإنهم لم يندمجوا في الشيوعيين المصريين، كما اندمج رفاقهم الفلسطينيون في الشيوعيين الأردنيين، والذين غيروا اسم حزبهم إلى "الحزب الشيوعي الأردني"، الذي ناهز عدد أعضائه، في الضفة الغربية، المائتَين وقارب عددهم المائة، في الضفة الشرقية، ومعظمهم من الفلسطينيين. طالب الحزب الشيوعي بانسحاب القوات، الإسرائيلية، من المنطقة التي خص بها قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة العرب الفلسطينيين، وإتاحة الفرصة لإنشاء دولة عربية فلسطينية مستقلة، وديمقراطية، تجمع اللاجئين الفلسطينيين من منفاهم.
جابت أول مظاهرة في الضفة الغربية، مدينة نابلس، في 31 مايو 1950، بتحريض من الشيوعيين، احتجاجاً على انتخابات الملك عبد الله. وقد اعتقل جميع المشاركين فيها، وكان عددهم خمسين شخصاً، وأجبروا على السير على أقدامهم إلى عمّان، فمات أحدهم، وأُودع الآخرون السجن، مدة شهرَين. وعقد الحزب الشيوعي الأردني مؤتمراً، في ربيع 1970، دان فيه خطّه السياسي، وصدّق على خطه الجديد، الداعي إلى الكفاح المسلح. وفي 3 مارس/ آذار 1975، صدر البيان الأول لقوات الأنصار، التنظيم المسلح الجديد، الذي انبثق من الحزب، وأطلق عليه اسم "قوات الأنصار الفدائية". وكان الهدف من تكوينه، هو تقوية علاقة الحزب النضالية بالفصائل الفلسطينية، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا التنظيم، قدّم نفسه بصفته جناحاً عسكرياً للحزب، وطلب عضوية القيادة الموحدة للثورة الفلسطينية، غير أن طلبه رفض، بحجة أنه موالٍ للسوفييت، الذين يعترفون بالقرار الرقم 242، الذي كانت ترفضه التنظيمات الفلسطينية، في ذلك الوقت.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال