الجذور التاريخية للبورصة: تسلسل زمني مفصّل لمراحل تطور الأسواق المالية، بدءاً من تجمعات التجار القديمة في مصر والعرب وصولاً إلى نشأة بورصات القيم في أوروبا وأمريكا

أصول وتطور مفهوم البورصة:

تُعدّ البورصة (Bourse) مفهومًا اقتصاديًا وتاريخيًا عميق الجذور، بدأ كنقطة التقاء بسيطة للتجار، ثم تطور ليصبح واحدًا من أهم أركان النظام المالي العالمي. يعود أصل التسمية إلى القرن الخامس عشر ميلادي، وتحديداً في مدينة بريج البلجيكية.


البداية التاريخية وتسمية "البورصة":

تعود كلمة البورصة إلى عائلة فان در بورص (Vander Bourse) النبيلة التي كانت تمتلك فندقًا شهيرًا في مدينة بروج (Bruges) ببلجيكا. هذا الفندق لم يكن مجرد مكان لإقامة المسافرين، بل تحوّل إلى نقطة تجمع محورية للتجار، خاصة القادمين من مدينة فلورنسيا الإيطالية.

  • نقطة التقاء التجار: كان هذا المكان يؤمه التجار من مختلف المناطق، وشهد تطورًا في طبيعة التعاملات التجارية التي تُبرم فيه.
  • أصل الكلمة: أُطلق لفظ "Bourse" (الذي يعني حرفيًا "جيب" أو "حقيبة نقود" بالفرنسية) في النهاية على المكان الذي يجتمع فيه التجار والمتعاملون معهم بهدف إبرام الصفقات والعقود.

تطور التعاملات: من البضائع إلى الالتزامات الآجلة

مع تزايد حجم التعاملات وتنوعها، ظهرت ضرورة لآلية جديدة للتبادل:

  • غياب البضائع الحاضرة: نظراً لصعوبة واحتياج التجار لعدم اصطحاب بضائعهم المادية معهم أثناء السفر أو في كل اجتماع، بدأت التعاملات تأخذ شكلاً مختلفاً.
  • التحول إلى العقود والالتزامات: استُبدلت عملية بيع وشراء البضائع الحاضرة بإبرام عقود وتعهدات تُعبّر عن التزامات مستقبلية.
  • قاعدة الثقة: هذا النظام الجديد كان يقوم بشكل أساسي على الثقة المتبادلة بين الأطراف المتعاملة، حيث يتم الاتفاق على السعر والتسليم في تاريخ لاحق. هذا التحول يمثل خطوة أساسية نحو مفهوم الأسواق الآجلة (Futures Markets).
  • التعاقد الآجل: تمحورت الاجتماعات حول الإنفاق على الصفقات الحاضرة أو الآجلة، مما يشير إلى أن المكان أصبح مركزاً ليس فقط للمبادلات الفورية، بل وللمضاربة على الأسعار المستقبلية.


جذور تاريخية سابقة للبورصات المسماة:

تجدر الإشارة إلى أن فكرة التجمع التجاري وإقرار الصفقات كانت موجودة قبل ظهور اسم "البورصة" في بلجيكا:

  • مصر القديمة (الفراعنة): كان ملوك مصر القديمة (الفراعنة) يسمحون للتجار بعرض بضائعهم وتحديد أسعارها وإبرام صفقاتهم أمام "عزيز مصر"، حيث كان يجتمع كل التجار لديه وتتم الصفقات تحت إشرافه.
  • تجار العرب: عرف التجار العرب أيضاً نظاماً مشابهاً لما يُعرف اليوم ببورصات السلع، خاصة من خلال شخصية "شيخ بندر التاجر" الذي كان يسهل عملية تمويل هذه السلع والاتفاق على بيعها أو شرائها لأجل (آجلاً).

التسلسل الزمني لإنشاء البورصات الحديثة:

بدأ التطور المؤسسي للبورصات مع بناء أول مبنى مخصص لها:

  • بلجيكا (الأسبقية): أُنشئ أول بناء عُرف رسمياً باسم البورصة في مدينة آمرس (Amers) ببلجيكا عام 1460. وفي عام 1592، قامت هذه البورصة بخطوة تنظيمية مهمة وهي نشر تسعيرة الأسعار المسجلة للمرة الأولى.
  • فرنسا: تُعدّ مدينة ليون (Lyon) الفرنسية أول من نظمت بورصات مُخصصة للقيم (الأسهم والسندات) بدلاً من السلع التقليدية.
  • انتشارها في أوروبا: تبعت ذلك موجة من إنشاء البورصات في المدن الأوروبية الكبرى، ومن أبرزها:

  1. تولوز وباريس بفرنسا (1549 – 1563).
  2. روما بإيطاليا (1566).
  3. بوردو بفرنسا (بعد 8 سنوات من بورصة باريس).
  4. أمستردام بهولندا (1608) – وكانت نقطة تحول كبرى.
  5. بال بسويسرا (1683).
  6. فيينا بالنمسا (1762).
  • بريطانيا: تأسست بورصة لندن عام 1773.
  • الولايات المتحدة الأمريكية: تأسست بورصة نيويورك (NYSE) عام 1792. وتُعدّ حالياً أهم بورصة للقيم في العالم نظراً للضخامة الهائلة لحجم التبادلات اليومية التي تتم فيها.

ملاحظة خاصة حول التعاملات الآجلة:

من الجوانب المهمة في تطور الأسواق المالية، وبعيداً عن الأصول الرسمية للبورصات، هو ظهور التعاملات الآجلة كآلية لإدارة المخاطر. في القرن السابع عشر ميلادي، وتحديداً في هولندا، قام العاملون في مجال البستنة بإبرام عقود آجلة لشراء أو بيع منتجاتهم بهدف تغطية مخاطر انخفاض الأسعار في المستقبل. هذا يوضح أن استخدام العقود الآجلة لم يكن محصوراً على التجارة البحرية والبعيدة، بل امتد إلى القطاعات المحلية كآلية تحوط أولية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال