التنازل عن السكنات والمحلات العمومية: الإطار القانوني لعملية التمليك من الدولة إلى الشاغلين الشرعيين والقيود المفروضة على التصرف

التنازل عن الأملاك العقارية التابعة للقطاع العام: إطار تفصيلي

يمثل التنازل عن الأملاك العقارية التابعة للقطاع العام إحدى الآليات القانونية والإدارية الهامة التي تتبناها الدول لإعادة هيكلة أصولها العقارية وتثبيت الأوضاع الاجتماعية لشاغليها. هذه العملية، التي لا تشمل سوى الأملاك الوطنية الخاصة، تتجاوز مجرد البيع التجاري لتصبح إجراءً ذا بعد اجتماعي واقتصادي مزدوج. فهي تمكّن المستأجرين الشرعيين من تملك سكناتهم أو محلاتهم المهنية بأسعار مدعومة، وفي الوقت نفسه تدر موارد مالية على الخزينة العامة وتخفف عبء الإدارة عن الدولة. يتطلب هذا المسار إطاراً تشريعياً دقيقاً وشروطاً صارمة لضمان العدالة والشفافية، مع فرض قيود مؤقتة على حق التصرف لمنع المضاربة وتحقيق الهدف الاجتماعي المنشود من عملية التمليك.

1. مفهوم التنازل عن الأملاك العقارية العامة:

التنازل هو إجراء قانوني وإداري يسمح بتحويل ملكية عقارات معينة تابعة للدولة أو المؤسسات العمومية (القطاع العام) إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين (غالبًا ما يكونون هم الشاغلين الشرعيين لهذه العقارات). هذا الإجراء يهدف إلى:

  • تثبيت الملكية: خاصةً بالنسبة للمستأجرين الذين يشغلون سكنات اجتماعية أو محلات مهنية لسنوات طويلة.
  • تحصيل موارد مالية: تدرج هذه الموارد في ميزانية الدولة أو الهيئات العمومية المعنية.
  • تخفيف الأعباء الإدارية: التخلص من أعباء إدارة وصيانة عدد كبير من العقارات.

ملاحظة هامة: التنازل غالبًا ما يخص الأملاك العقارية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة للدولة، بينما الأملاك الوطنية العمومية (مثل الطرق والحدائق والمباني المخصصة للمصالح العامة) تكون غير قابلة للتصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم، ما لم ينص القانون على استثناءات محددة.

 

2. أنواع الأملاك المعنية بالتنازل:

التنازل لا يشمل جميع الأملاك، بل يقتصر على أنواع محددة وفقاً للتشريع المنظم، وأبرزها:

  • السكنات العمومية الإيجارية ذات الطابع الاجتماعي: وهي السكنات التي تمول بنفقات نهائية من ميزانية الدولة وتدار عادة من قبل دواوين الترقية والتسيير العقاري.
  • المحلات ذات الاستعمال التجاري أو المهني أو الحرفي: المملوكة للدولة أو للهيئات العمومية، والتي يشغلها مستأجرون لممارسة نشاطاتهم.
  • أجزاء العقارات الجماعية: مثل الأجزاء المشتركة في المباني المشتركة التي يتم التنازل عن وحداتها السكنية أو المهنية.


3. الأملاك المستثناة من التنازل:

تُستثنى من عملية التنازل، بوجه عام، العقارات التي تظل ضرورية لسير المصالح والهيئات العمومية للدولة والجماعات الإقليمية، ومن أبرزها:

  • السكنات الإلزامية: المخصصة لشاغلي وظائف معينة بحكم طبيعة عملهم.
  • السكنات الضرورية: لتسيير المصالح العمومية والتي ما زالت قيد الاستغلال المباشر.
  • الأملاك المنجزة أو المكتسبة: لحاجات سير المصالح العمومية للدولة والمؤسسات التابعة لها.


4. شروط وإجراءات التنازل:

تخضع عملية التنازل لمجموعة من الشروط والإجراءات القانونية والإدارية الصارمة لضمان الشفافية والعدالة:

أ. الشروط المتعلقة بالشخص المتقدم (المستفيد):

  • الصفة القانونية: يجب أن يكون المتقدم هو الشاغل الشرعي للعقار المعني، أي المستأجر بموجب عقد إيجار ساري المفعول.
  • الإقامة المستمرة: إثبات الإقامة الفعلية والمستمرة في العقار (بالنسبة للسكنات).
  • تسديد المستحقات: يجب على الشاغل أن يكون قد سدد جميع الديون المتراكمة المترتبة على الإيجار والمصروفات المشتركة، أو اتفق على جدول زمني لتسديدها.
  • الأقدمية: غالبًا ما يحدد القانون تاريخاً معيناً يجب أن يكون العقار قد وُضع فيه حيز الاستغلال قبله ليكون قابلاً للتنازل عنه.

ب. الإجراءات الإدارية والقانونية:

  • تقديم الطلب: يودع الشاغل الشرعي طلب التنازل لدى الهيئة الإدارية المعنية (كإدارة أملاك الدولة أو دواوين الترقية والتسيير العقاري).
  • دراسة الملف: تتولى لجان ولائية أو إقليمية خاصة دراسة الملف والبت فيه.
  • الرد على الطلب: تحدد آجال قصوى للرد على الطلب (كثلاثة أشهر). في حال الرفض، يجب أن يكون القرار مبرراً كتابياً، مع إتاحة حق الطعن أمام لجنة الطعون المختصة.
  • تقييم العقار وتحديد الثمن: يتم تقييم سعر التنازل وفقاً لمعايير إدارية محددة تأخذ بعين الاعتبار موقع العقار، ودرجة قدمه، وغالباً ما يكون هذا السعر مدعوماً أو رمزياً مقارنةً بالسعر التجاري، خاصةً في حالة السكنات الاجتماعية.
  • طرق الدفع: يمنح المشتري خيارات للدفع، مثل الدفع الكلي (الذي قد يمنح تخفيضاً إضافياً)، أو الدفع بالتقسيط على مدى فترة طويلة محددة قانوناً (قد تصل إلى 20 أو 25 سنة).
  • إبرام العقد والشهر العقاري: يُحرر عقد التنازل (عقد بيع) وهو عقد شكلي يلزم الطرفين، ولا تنتقل الملكية إلا بعد شهر هذا العقد في المحافظة العقارية.

5. آثار التنازل (حقوق والتزامات المشتري):

بمجرد إتمام عملية التنازل، يصبح الشاغل مالكاً للعقار، ولكن غالباً ما تفرض التشريعات قيوداً مؤقتة لضمان تحقيق الهدف الاجتماعي من العملية:

  • قيود التصرف: عادةً لا يجوز للمالك الجديد بيع العقار المتنازل عنه أو التنازل عنه لشخص آخر إلا بعد مرور مدة زمنية معينة (مثل ثماني سنوات) من تاريخ التمليك، وذلك لمنع المضاربة العقارية.
  • الانتفاع والاستغلال: يكتسب المالك حق الانتفاع الكامل بالعقار والتصرف فيه بالضوابط القانونية.
  • الالتزام بدفع الثمن: يلتزم المشتري بتسديد باقي ثمن العقار وفقاً لطريقة الدفع التي اختارها.

هذا الموضوع يوضح الإطار العام لعملية التنازل عن الأملاك العقارية التابعة للقطاع العام، مع التركيز على الجوانب القانونية والإجرائية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال