الهوية والموقع الاستراتيجي لجامعة البطانة:
تُمثل جامعة البطانة صرحاً أكاديمياً حكومياً له وزنه في خريطة التعليم العالي السوداني، حيث تستمد اسمها من منطقة البطانة التاريخية والجغرافية، وتتخذ من ولاية الجزيرة مقراً لها. لا يقتصر وجود الجامعة على موقع واحد، بل هي مؤسسة متعددة الفروع تنتشر في مدن مختلفة داخل نطاق محلية شرق الجزيرة. هذا الانتشار الجغرافي يهدف إلى تحقيق مبدأ "توطين التعليم العالي"، مما يقلل من عبء الهجرة على الطلاب ويسهل عليهم الوصول إلى المرافق التعليمية ذات الجودة، ويجعل الجامعة قادرة على خدمة احتياجات المنطقة المباشرة بشكل فعال ومخصص.
الانبثاق التاريخي وتأسيس النواة الأكاديمية:
تعد جامعة البطانة وليدة عملية توسيع ناجحة للتعليم العالي، إذ يعود الفضل في نشأتها إلى جامعة الجزيرة الأم، التي آمنت بضرورة نشر المعرفة وتوسيع القاعدة الطلابية. كانت الخطوة الأولى والرئيسية نحو الاستقلال هي إنشاء كليتي علوم الإدارة والاقتصاد في عام 2001 بمدينة الهلالية.
- الرسالة التأسيسية: هذا التأسيس المبكر في تخصصي الإدارة والاقتصاد لم يكن اعتباطياً، بل عكس حاجة المنطقة الملحة لتأهيل الكوادر القادرة على إدارة الموارد الاقتصادية والبشرية بكفاءة، مما وضع حجر الأساس لتخريج قيادات قادرة على دفع عجلة التنمية المحلية. الهلالية، بكونها الموقع الأولي، أصبحت بمثابة النواة الإدارية والأكاديمية التي انطلقت منها جميع الكليات اللاحقة.
التوزيع الجغرافي والكليات النوعية:
تم التخطيط لانتشار كليات جامعة البطانة بعناية لتتناسب مع التخصصات الحيوية التي تحتاجها المنطقة الريفية والزراعية بولاية الجزيرة:
1. كليات التنمية الإدارية والاقتصادية (الهلالية):
- كلية علوم الإدارة وكلية الاقتصاد: تشكلان مركزاً للبحوث والدراسات المتعلقة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية في شرق الجزيرة. البرامج الأكاديمية فيهما مصممة ليس فقط لتوفير المعرفة النظرية، بل لتقديم حلول عملية وقابلة للتطبيق في مجالات التمويل والتسويق والتخطيط الاستراتيجي.
2. كليات القطاع الإنتاجي والحيوي:
- كلية الطب البيطري (تمبول - 2005): تُعد مدينة تمبول مركزاً مهماً للثروة الحيوانية، لذا كان إنشاء كلية الطب البيطري فيها في عام 2005 خطوة استراتيجية. تهدف الكلية إلى حماية وتطوير الثروة الحيوانية التي تُشكل مصدراً أساسياً للدخل القومي، وتعمل على تدريب الأطباء البيطريين على أحدث تقنيات التشخيص والوقاية من الأمراض الحيوانية المشتركة والمعدية.
- كلية الزراعة (أبو حراز): بالنظر إلى أن ولاية الجزيرة هي سلة غذاء السودان، فإن كلية الزراعة في أبو حراز تقوم بدور محوري. تركز الكلية على تخصصات مثل تحسين المحاصيل، وعلوم التربة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة (مثل الاستشعار عن بعد)، لزيادة الإنتاجية الزراعية ومواجهة تحديات الأمن الغذائي.
3. كليات الخدمات الأساسية (رفاعة):
- كلية الطب البشري وكلية التربية (رفاعة): مدينة رفاعة، التي تحتضن الكليتين، تعتبر مركزاً لتقديم الخدمات.
- كلية الطب: تسعى لتخريج كوادر طبية ذات كفاءة عالية لسد النقص في القطاع الصحي، خاصة في المناطق الريفية، وتركز على برامج التدريب العملي في المستشفيات والمراكز الصحية المحيطة.
- كلية التربية: تضطلع بمسؤولية تأهيل المعلمين والمربين وفقاً لأحدث المناهج التربوية والنفسية، لضمان جودة التعليم الأساسي والثانوي في المنطقة والمساهمة في بناء جيل متعلم ومؤهل.
الاعتماد الرسمي والاستقلال الإداري:
بلغت عملية استقلال الجامعة ذروتها عندما اكتمل الإطار التشريعي لها:
- التشريع الوطني (2008): تمت مراجعة واعتماد قانون جامعة البطانة من قبل المجلس الوطني السوداني في عام 2008. هذه الإجازة تعني اعتراف الدولة التام بالجامعة ككيان مستقل يتمتع بشخصية اعتبارية.
- المصادقة الرئاسية: تبعت ذلك مصادقة رئيس الجمهورية على القانون في نفس العام، وهي خطوة حاسمة منحت الجامعة الشرعية القانونية الكاملة.
- التفعيل الإداري (2009): تم تتويج هذا الجهد بتعيين أول مدير للجامعة في سبتمبر 2009. هذا التعيين كان بمثابة إطلاق لعملية الاستقلال الإداري والمالي للجامعة، مما سمح لها بوضع خططها الأكاديمية والبحثية الخاصة ورسم مسارها المستقبلي كأحد اللاعبين الرئيسيين في التنمية الإقليمية بالسودان.
جامعة البطانة، بتخصصاتها المتنوعة وتوزيعها المدروس، تعمل كرافعة للتنمية الشاملة في منطقة البطانة والجزيرة، وتؤكد على دور التعليم العالي كقوة دافعة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي.