شارع 60: الشريان الاستراتيجي والعمود الفقري الجغرافي
يعتبر شارع 60 (المعروف بالعبرية باسم כביش 60) واحداً من أهم المحاور الطرقية في فلسطين التاريخية والضفة الغربية؛ فهو ليس مجرد مسار للمركبات، بل هو محور جيوسياسي يمتد كعمود فقري يربط المناطق الجبلية الوسطى من أقصى الجنوب إلى الشمال.
الامتداد الجغرافي والتقسيم الهيكلي:
يمتد الطريق على مسافة طويلة تبدأ من مدينة بئر السبع في النقب جنوباً، وينتهي في قلب مدينة الناصرة شمالاً. ومن الناحية الهيكلية، يمكن تقسيم هذا المسار إلى قطاعين رئيسيين:
- القطاع الجنوبي والأوسط: يبدأ من بئر السبع ويمتد عبر تلال الخليل ومرتفعات القدس ورام الله وصولاً إلى سهل عرابة في جنين. هذا الجزء هو الأطول ويمر عبر التضاريس الجبلية الوعرة للضفة الغربية.
- القطاع الشمالي: يبدأ من تخوم الخط الأخضر صعوداً نحو مرج ابن عامر، ويربط تحديداً بين مدينتي العفولة والناصرة، وهو الجزء الذي يخدم حركة المرور في مناطق الجليل.
الجذور التاريخية وأعمال التأسيس:
يعود تاريخ وضع اللبنات الأولى لهذا الطريق إلى فترة الانتداب البريطاني، وتحديداً في العامين 1920 و1921. في ذلك الوقت، كان الهدف من إنشائه تسهيل حركة القوات البريطانية وربط المدن الفلسطينية الكبرى الواقعة على سلسلة الجبال المركزية (الخليل، القدس، نابلس، جنين). ومع تطور الصراع، خضع الطريق لتعديلات هندسية كبرى غيرت مساراته الأصلية لخدمة أهداف سياسية وأمنية مستجدة.
الدور الاستيطاني وسياسة "الطرق الالتفافية":
تحول شارع 60 بمرور العقود من طريق يربط المدن الفلسطينية ببعضها إلى أداة استراتيجية لربط المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالداخل المحتل. صُممت أجزاء كبيرة منه كطرق "التفافية"، وهو مصطلح هندسي وسياسي يعني إعادة توجيه الطريق ليمر بعيداً عن مراكز المدن الفلسطينية المكتظة (مثل حلحول، وبيت لحم، ورام الله).
هذا التصميم يخدم غرضين أساسيين:
- تسهيل حركة المستوطنين: ضمان تنقل سريع وآمن للمستوطنين بين المستوطنات والمدن الكبرى مثل القدس وتل أبيب دون الاحتكاك المباشر مع التجمعات السكانية الفلسطينية.
- السيطرة الأمنية: خلق مسارات تخضع لرقابة عسكرية مكثفة، مما يسهل على جيش الاحتلال إغلاق المدن الفلسطينية أو عزلها عند الضرورة عبر التحكم بمداخل ومخارج هذا الطريق.
المنظور الأمني والعمليات العسكرية:
اكتسب شارع 60 رمزية كبيرة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث تحول إلى ساحة مواجهة دائمة. ونظراً لأنه يمر بمحاذاة عشرات القرى والمخيمات الفلسطينية، فقد شهد مئات العمليات التي استهدفت الدوريات العسكرية وحافلات المستوطنين. ونتيجة لذلك، قامت سلطات الاحتلال بتعزيز الطريق بإجراءات أمنية مشددة تشمل:
- الأبراج العسكرية (النوبات) المنتشرة على طول المسار.
- البوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية التي تتحكم بمداخل القرى الفلسطينية المطلة عليه.
- الجسور والأنفاق المعقدة التي تفصل حركة مرور المستوطنين عن حركة مرور الفلسطينيين في بعض المقاطع الحساسة.
الأهمية الرمزية والسياسية:
يمثل شارع 60 اليوم تجسيداً للصراع على الأرض؛ فهو الطريق الذي يربط "الخليل" بـ "القدس" بـ "الناصرة"، وهي مدن ذات ثقل ديني وتاريخي كبير. وبينما تراه إسرائيل شرياناً حيوياً لربط كتلها الاستيطانية، يراه الفلسطينيون وسيلة لتقطيع أوصال جغرافية دولتهم المستقبلية وتحويل مدنهم إلى "جزر" معزولة وسط محيط من الطرق التي يسيطر عليها الاحتلال.