جبل المكبر: نموذج لقرى القدس الشرقية؛ دراسة التبعية الإدارية لبلدية القدس وتأثيرها على تطوير المرافق العامة مقارنة بسلوان وصور باهر

جبل المكبر: تحليل شامل للموقع، التاريخ، والواقع الإداري الفلسطيني في القدس

يُعدّ حي جبل المكبر أحد التجمعات الفلسطينية الحيوية التي تقع في محيط مدينة القدس، وهو يمثل حالة دراسية واضحة للتعقيدات الجغرافية والديموغرافية والإدارية التي تواجه الأحياء العربية في المدينة المقدسة. إن موقع القرية الاستراتيجي وتاريخها العشائري العريق ووضعها الإداري الحالي تحت سلطة بلدية القدس جميعها عناصر تستدعي التوسع والتحليل.

الإطار الجغرافي والموقع الاستراتيجي:

يتميز جبل المكبر بموقعه الجغرافي ذي الأهمية البالغة؛ فهو يقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة القدس. هذا الموقع جعله تاريخياً جزءاً طبيعياً من السواحرة الغربية، وهي منطقة تشتهر بتلالها المرتفعة التي تطل على المدينة وعلى أجزاء من صحراء يهودا.
هذه التلة المرتفعة منحت الحي إطلالة بانورامية مميزة على القدس، لكنها في الوقت ذاته وضعت القرية في قلب التمدد العمراني والحدودي للمدينة. لقد أدى القرب الجغرافي من مركز القدس إلى اندماج الحي قسراً ضمن الحدود الإدارية البلدية الموسعة، مما حوله من قرية ريفية تابعة لـ "السواحرة الغربية" إلى حي رسمي ضمن التقسيمات البلدية لمدينة القدس.

النسيج الاجتماعي والتركيبة الديموغرافية:

يحتفظ جبل المكبر بنسيجه الاجتماعي الفلسطيني الأصيل، وتتميز ديموغرافيته بكونها خليطاً من القبائل والعشائر العريقة، مما يجعله مجتمعاً متماسكاً وذا امتداد تاريخي عميق.
  • عشائر العبيدية: تُعدّ هذه العشيرة واحدة من المكونات الرئيسية لسكان جبل المكبر، ولها امتدادات في مناطق أخرى، مما يعكس تاريخاً من الهجرات والاستقرار في محيط القدس.
  • عشائر السواحرة: وهي العشائر التي سُميت باسم المنطقة الأوسع التي يتبع لها جبل المكبر تاريخياً (السواحرة الغربية)، ويُظهر وجودهم مدى الترابط والتاريخ المشترك للمنطقة.
يؤدي هذا التنوع العشائري إلى تشكيل شبكة اجتماعية قوية تُساعد السكان على الحفاظ على هويتهم وتقاليدهم، بالرغم من التحديات الإدارية والعمرانية المتزايدة التي يواجهونها.

الواقع الإداري وتحديات الخدمات البلدية:

يُعدّ الوضع الإداري لجبل المكبر هو الأكثر تعقيداً، حيث أنه، مثل غالبية الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، يقع بالكامل تحت سلطة بلدية القدس الإسرائيلية. يعني هذا التصنيف الإداري الآتي:
  • التبعية الكاملة للخدمات: تقع مسؤولية توفير وإدارة كافة الخدمات والمرافق العامة الحيوية على عاتق البلدية.
  • البنية التحتية: تشمل هذه الخدمات أعمال البنية التحتية الأساسية، مثل صيانة الطرق، شبكات الصرف الصحي والمياه، وإمدادات الكهرباء.
  • الخدمات الاجتماعية: تقع تحت الإشراف البلدي أيضاً قطاعات حيوية مثل التعليم (من حيث تراخيص المدارس والاعتراف بها) والصحة الوقائية (مراكز الرعاية الأولية والنظافة العامة).

المقارنة الإدارية مع الأحياء الأخرى:

إن وضع جبل المكبر لا يختلف عن وضع العديد من الأحياء الفلسطينية الأخرى التي أُلحقت بالحدود البلدية بعد عام 1967. هذه الأحياء، مثل سلوان، صور باهر، بيت صفافا، وشعفاط، وكذلك البلدة القديمة (التي تحدها أسوار سليمان القانوني التي بُنيت عام 1536م)، كلها تتلقى خدماتها الأساسية من نفس الجهة الإدارية. إلا أن التحدي المشترك الذي تواجهه هذه الأحياء هو غالباً الشعور بالفجوة بين احتياجات السكان المتزايدة ومستوى الخدمات المقدمة فعلياً.

الخلاصة:

جبل المكبر ليس مجرد نقطة على الخارطة، بل هو نموذج مصغر لتاريخ القدس المعاصر؛ يمثل امتداداً جغرافياً لـ "السواحرة الغربية" ومركزاً عشائرياً لعائلتي العبيدية والسواحرة، وفي الوقت نفسه يخضع لوضع إداري معقد يفرض عليه تلقي الخدمات من بلدية القدس. إن فهم هذا التجمع يتطلب إدراك الترابط بين تاريخه السكاني وموقعه الاستراتيجي والواقع الإداري الذي يحكمه اليوم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال