لغة التدريس في جامعة قطر: سياسة، تفصيل، واستثناءات
تُشكل سياسة لغة التدريس في جامعة قطر مزيجًا مدروسًا يجمع بين الالتزام الوطني والثقافي والمرونة الأكاديمية العالمية. هذا التوازن يهدف إلى خدمة رسالة الجامعة المتمثلة في تقديم تعليم عالي الجودة يتوافق مع المعايير الدولية مع الحفاظ على الهوية المحلية.
أولاً: اللغة العربية كلغة رسمية وأساس أكاديمي:
المركزية: تنص السياسة بوضوح على أن اللغة العربية هي لغة الجامعة الرسمية للتدريس. هذا ليس مجرد إجراء إداري، بل هو تأكيد على دور الجامعة كمؤسسة وطنية رائدة ومسؤولة عن:
- تعزيز الهوية: دعم اللغة العربية كركيزة أساسية للهوية الثقافية والوطنية القطرية.
- التخصصات النوعية: يتم استخدامها حصراً في التخصصات التي تتطلب إتقاناً عميقاً لها، مثل برامج القانون والشريعة والآداب والعلوم الإنسانية والتاريخ، لضمان فهم دقيق للمصطلحات والمفاهيم التراثية والمعاصرة في سياقها اللغوي الأصيل.
ثانياً: المرونة الثنائية: العربية أو الإنجليزية
يتم تطبيق المرونة في الاختيار بين العربية والإنجليزية بناءً على "طبيعة كل برنامج" ومتطلباته المعرفية والمهنية. يُتخذ هذا القرار بعناية فائقة ويراعي الاعتبارات التالية:
- متطلبات التخصص (Discipline Requirement): في مجالات مثل الهندسة، والطب، والعلوم الطبيعية، والتكنولوجيا، تُعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة للبحث العلمي والمراجع والمجلات المحكمة على مستوى العالم. واعتماد الإنجليزية كلغة تدريس في هذه التخصصات يضمن أن يكون الخريج:
- قادراً على الوصول المباشر إلى أحدث الأبحاث العالمية.
- مؤهلاً للتنافس في سوق العمل الإقليمي والدولي الذي يتطلب إتقان المصطلحات العلمية بالإنجليزية.
- المقررات المدمجة: قد تعتمد بعض البرامج على نظام تدريس مختلط، حيث تُدرَّس المقررات الأساسية باللغة العربية، بينما تُدرَّس المقررات المتخصصة أو المتقدمة باللغة الإنجليزية، لضمان التكامل المعرفي.
ثالثاً: الاستثناءات والحاجة للغة تدريس ثالثة (اللغة غير العربية أو الإنجليزية)
الجامعة تدرك وجود حاجة محدودة لاستخدام لغة أخرى غير اللغتين الرئيسيتين، وهذا يتطلب إجراءات استثنائية مشددة.
1. متى تنشأ الحاجة؟
تظهر هذه الحاجة في سياقات ضيقة جداً، أبرزها:
- برامج اللغات الأجنبية: على سبيل المثال، تدريس الأدب الفرنسي أو الدراسات الألمانية، حيث تكون لغة التخصص هي لغة التدريس الأساسية.
- التخصصات النادرة: بعض التخصصات التي تعتمد على مصادر أو مناهج أصلية بلغة معينة، ولا يوجد لها ترجمة أكاديمية وافية.
2. مسار الاعتماد الإداري والأكاديمي (The Approval Path):
لضمان أن يكون هذا الاستثناء مبرراً أكاديمياً وليس إدارياً فحسب، يتم اتباع تسلسل هرمي دقيق:
- التوصية الأكاديمية الأولية (القسم والكلية): يبدأ الأمر بتقديم القسم المعني مقترحاً مفصلاً يوضح الضرورة القصوى لاستخدام لغة ثالثة، مع تقديم أدلة على عدم كفاية أو جدوى التدريس بالعربية أو الإنجليزية في هذا السياق المحدد.
- دور نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية: هذا المنصب يمثل الجهة الأكاديمية الرقابية العليا. يقوم النائب بدراسة شاملة للتوصية، تشمل تقييم المنهج، وتوفر الكوادر التدريسية المؤهلة للتدريس باللغة المقترحة، وأثر ذلك على جودة المخرجات الطلابية. تُعد توصية نائب رئيس الجامعة هي البوابة الأولى للموافقة.
- السلطة النهائية لرئيس الجامعة: يتم رفع التوصيات التي يجيزها نائب الرئيس إلى رئيس الجامعة. ويُعد رئيس الجامعة هو صاحب القرار السيادي والختامي. الموافقة من رئيس الجامعة تضمن أن القرار يتوافق ليس فقط مع المعايير الأكاديمية، ولكن أيضاً مع الرؤية الاستراتيجية والسياسات العليا للجامعة ككل.
باختصار، سياسة لغة التدريس في جامعة قطر هي نموذج للحوكمة الأكاديمية التي تسعى إلى تحقيق التميز من خلال إعطاء الأولوية للغة العربية، مع توفير مرونة مسؤولة (العربية/الإنجليزية) ودراسة متأنية وشاملة (بموافقة رئيس الجامعة) لأي استثناءات لغوية أخرى.