اليوسفية: من "كشكاط" الهادئة إلى "لويس جونتي" المنجمية: التحول الجيوسياسي والاقتصادي للمنطقة تحت هيمنة الاستعمار الفرنسي واكتشاف الفوسفاط (1929-1956)

دور الاستعمار الفرنسي في تأسيس مدينة اليوسفية واكتشاف الفوسفاط:

ارتبط وجود ونشأة مدينة اليوسفية (المغرب) بشكل مباشر باكتشاف واستغلال ثروة الفوسفاط خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب. لم تكن المنطقة قبل ذلك سوى جزء من هضاب "الكنتور" وسط منطقة "أحمر"، وكانت تُعرف باسم "كشكاط" نسبةً إلى الوادي الذي يخترقها.


اكتشاف الفوسفاط وتأسيس المدينة:

  • الاكتشاف: تم اكتشاف الفوسفاط في المنطقة حوالي عام 1929 على يد الجيولوجي الفرنسي لويس جونتي (Louis Gentil)، الذي كان أحد رموز الاستعمار الفرنسي. كان لويس جونتي نموذجًا للباحث الكولونيالي الذي عمل على جمع المعلومات حول خريطة المعادن في المغرب لخدمة المصالح الفرنسية الاستعمارية.
  • الهدف الاستعماري: كان الهدف من هذا الاكتشاف هو الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية للمغرب، وتوفير الفوسفاط الرخيص، خاصة بعد تأسيس المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) سنة 1920 (قبل الاكتشاف باليوسفية)، لضمان احتكار استغلال هذه المادة.
  • التسمية: نتيجة لدوره المحوري في الاكتشاف، حملت المدينة اسم هذا الجيولوجي الفرنسي لعقود من الزمن، وأُطلق عليها اسم "لويس جونتي" أو "الوي جانتي" اعتباراً من سنة 1931 عندما شرع الفرنسيون في تهيئتها، واستمر هذا الاسم حتى فجر الاستقلال، حيث سُميت لاحقاً "اليوسفية" تيمناً بالسلطان العلوي المولى يوسف.


البنية التحتية والاستغلال الاقتصادي:

  • النشأة والتطور: ارتبطت نشأة المدينة ارتباطاً وثيقاً بتطور عمليات استخراج وإنتاج الفوسفاط. أدى هذا التطور إلى حدوث رواج اقتصادي هام وازدهار اجتماعي رافقه انفجار سكاني بسبب تدفق العمال.
  • التخطيط الاستعماري: شيد المستعمر الفرنسي أحياءً ومرافق في المدينة لخدمة عملية الاستغلال. ومن أبرزها الحي المحمدي (جور إم سارة سابقاً) الذي شيده المستعمر.
  • البنية التحتية الداعمة: لضمان استمرار الإنتاج ونجاحه، عمل الاستعمار الفرنسي على إنشاء البنية التحتية الضرورية، مثل الطرق والسكك الحديدية لربط المدينة بموانئ التصدير كـ ميناء آسفي، مما سهل نقل الفوسفاط المستخرج من باطن الأرض نحو الأسواق العالمية.
  • الطبقة العمالية: خلق استغلال مناجم الفوسفاط طبقة عمالية كبيرة، كان أغلبها من اليد العاملة المغربية التي عانت من ظروف عمل قاسية وضعف في الأجور مقارنة بالعمال الأوروبيين، رغم أن المكتب الشريف للفوسفاط وفر بعض المصالح الاجتماعية كالسكن والرعاية الصحية لضمان مردودية أكبر للعمل.
  • المرافق والخدمات: أنشأ الاستعمار مرافق متنوعة في المدينة كالمراكز الثقافية وقاعات السينما والمناطق الخضراء والملاعب الرياضية والمراكز الصحية والمستشفيات، ولكنها كانت في سياق يخدم في المقام الأول المصلحة الاستعمارية وتوفير الخدمات للعاملين في قطاع الفوسفاط، خاصة الأوروبيين منهم.

في الختام، يمكن القول إن الاستعمار الفرنسي كان القوة الدافعة وراء اكتشاف الفوسفاط وتأسيس مدينة اليوسفية، حيث حول منطقة "كشكاط" الهادئة إلى حاضرة عمالية ومنجمية بامتياز، بهدف استنزاف هذه الثروة الباطنية وضمها إلى شبكة الاستغلال الاقتصادي الكولونيالي للمغرب.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال